Advertisement

Main Ad

مقام الواقع المادي كعلم بالنسبة للإدراك والوعي || رؤية علوم الفيزياء وتقييمها المعرفي

مصدر المعرفة والوجود ... الفاصل الحقيقي بين الرؤية الوجودية لكل من الفيزياء والفلسفة والإيزوتيريك (علم الوجود الإدراكي)

ff8eo597fmwpjutwcm.jpg

مصدر المعرفة والوجود ... الفاصل الحقيقي بين الرؤية الوجودية لكل من الفيزياء والفلسفة والإيزوتيريك (علم الوجود الإدراكي)​

عند دراسة الواقع المادي المحلي، فإن كلاً من الفيزيائي والإيزوتيريكي والفيلسوف يتعاملون مع نفس المعطيات تقريباً، لكن رؤية كل منهم تختلف جوهرياً عن الرؤيتين الباقيتين.​
ينظر الفيزيائي إلى الواقع المادي كواقع أعزل مكتفي بذاته تفسيرياً ولا يحتاج إلى افتراض ما يسميه ب"الخوارق" والكائنات الغيبية حتى يعمل.​
تماماً كساعة هائلة مصممة بدقة لا متناهية، الفرق الوحيد بينها وبين مكوناتها أنها تكون بلا مصدر لانوجادها، فقد وجدت من العدم، الفوضى والشواش. وهكذا ساعة الكون بكل ما تعرضه من الدقة تنشأ من العدم ، الفوضى، والشواش .. الفيزياء تحتم على الفيزيائي أن يفكر بهذه الطريقة حتى وإن كان بينه وبين نفسه مؤمناً، لأن إدخال مجال للغيبيات على علوم الفيزياء النظرية سيسمح بتحولها إلى ميتافيزيقا غير قابلة للبرهان التجريبي، لذلك هو يفترض مسبقاً أن الكون نظام مغلق على نفسه، ونعني بالكون أي الواقع المادي، سواء كان كوناً واحداً أو عدة أكوان، وسواء كان يظهر بنوسان أعظم أو حتى كان أزلياً فهو دائماً نظام مغلق بإحكام، لا تدخله قوى تتحكم به من خارجه أبداً.

بينما يرى الفيلسوف الكونَ نظاماً غير مغلق، فهو يحتاج إلى حد أدنى من العلل العالية لكي يتم له الوجود، ويتخذ طريق معرفة معقولاً كما هو محسوس، فالفيلسوف يختلف عن العالم بأنه لا يصغي لحواسه وتجاربه فقط، ودائماً يشك في كل شيء قابل للتغير والتشكيك، والواقع المادي أقرب الاشياء لتشكيك الفيلسوف. ويرى أن التعامل مع ناحيته المحسوسة دون المعقولة سيسبب الفوضى في بنا التصور العلمي الصحيح، وسيحول دون اكتشاف ما هية الواقع حقاً، ولذلك هناك "عالم مرصود" يسمى بالمواد والطبيعة، و"عالم مجرد" يسمى بالميتافيزيقا.

أما الإيزوتيريكي ، وهو الباحث العلمي الذي لا يتقيد بمنهج عقلي ولا حسي وإنما يرد المعطيات إلى أصولها، فهو ينحو منحىً آخر تماماً ... سنكتشفه معاً في هذا البحث، لكن قبل ذلك لابد من التعقيب بمسألة مهمة جداً بالنسبة لك كباحث حر أو أكاديمي، وهي أن اختلاف رؤية الباحثين تتنوع حسب طرائق المعرفة التي يستخدمونها في معالجة الواقع بأسره ومن حيثيته الكلانية.

إذن، الخلاف حول مادية الوجود أو تجرده أو حقيقته المطلقة الروحية، ليس خلافاً على تفرعات الفيزياء أو على بعض قوانينها الثانوية، أو على ظاهرة فيزيائية بعينها أو تفسير فيزيائي بحد ذاته، وإنما هو خلاف في "الرؤية الكونية والمعرفية والعقائدية" لكل واحد من هؤلاء الثلاث، بمعنى آخر، لا فائدة من محاولة إثبات تجرد الحقيقة عن المادة عبر النظريات الفيزيائية نفسها، كذلك لن تثبت للفيلسوف مادية الكون بمحض التجارب التي تذكرها له، فهو يرى كامل هذه التجارب وعلوم الفيزياء موجودة في مستوى محدد من مستويات الوجود، أي أنها بالنسبة له تخضع جميعها لنفس النوع من الإدراك، وبما أن الإدراك هو مصدر المعرفة بالعالم بأسره، فهو الذي يقرر ما وراء الكيان الكوني المحسوس والمادي، وهذا الإدراك هو ما يخبر بالمعقولات وميتافيزيقا الوجود.
وهو أيضاً ما يخبر بالحقائق العليا الروحية ... كيف ذلك ؟

رد الواقع المادي إلى معرفتك الخاصة عنه كذات، يعني استغناءك عن البحث في معارف الآخرين، وهذا هو السبب في أن مثل ذلك الرد المعرفي يجعل الواقع الموضوعي المفارق لإدراكك نوعاً من المعرفة المظنونة، ووجوداً افتراضياً غير جوهري ولا أصيل.

بينما المادي يريد فقط أن "يحجب" هذا الإدراك وينشغل ويشغلك بالواقع الموضوعي نفسه ... الرؤية المادية أصلاً لا تبيح التعمق كثيراً في المنطلقات الإدراكية للكون المنظور، وتحب أن تعامله هكذا دون اعتبار للمراقب والذات التي تدركه بوعي.

إذن هي مسألة تتعلق بالرغبات والتكوين النفسي التفاعلي أكثر من تعلقها بالمعطيات العلمية والمعرفية، فلا تتوقع أن تكفي علومك ومعارفك لإثبات وجهة نظر معينة للآخر، والأهم من ذلك، لا تتوقع أنها تكفي لإيصالك للحقيقة وحدها من دون تغيير ما في النفوس.​

إرسال تعليق

0 تعليقات