Advertisement

Main Ad

كينياء الزمن (5) : العوالم العليا والأكوان المتعددة - مبدأ الخلق الحقيقي والتكوين التفاعلي للزمن || واحدية الوجود الحق "التوحيد"

 نبدأ الحديث هذه المرة بكلمة : "كَون" ويقصد بهذه الكلمة معنيين :

  • مجموع الكائنات والأحداث المادية على امتداد الزمان والمكان المحليان - بغض النظر عن الأبعاد الافتراضية للمحل.
  • "النظام" التكويني الذي يوحد هذه الأشياء، أو هو الكائن الأسمى منها جميعاً والتي هي فقط مجرد انعكاس لجوهره الحيوي النضيد، الذي ينتمي لعوالم عليا لها مفاهيمها وعلومها.

العوالم كلمة أكبر من الأكوان، لأن الكون في لغتنا صار يشير إلى "المجموعة الشاملة للأحداث والكائنات المادية ولكل قوانينها الناظمة لسير الأحداث فيها" وهو أيضاً الكيان الحي الذي يبعث هذا النظام إلى حيز الوجود والرصد. وكلا المعنيين هما مجرد وصف إما للمادة ككائن وجودي وإما للمادة كمجموعة ظواهر موضوعية لها خاصية المادوية.

الكلمة التي تطلق على عالم المادة في القرآن الحكيم هي "الأرض".

نعم، الأرض ليست كوكباً، فكلمة الأرض التي تستعمل اليوم لم تكن على هذا النحو قبل خمسة وستة قرون، لم يكن أصلاً من المعروف ما هي الأرض بالنسبة للفضاء، فهذا يشير إلى أن معنى الأرض ككوكب هو معنى وضعي اصطلاحي ولا علاقة له بحقيقة رمزية كلمة الأرض، والتي تعني شيئين هما "التسطح" و"التحقق المادي" ولذلك كافة الأشكال الأرضية لها سطوح، هل رأيت يوماً مادة لم تكن لها خاصية التسطح ؟ إذا لم يكن لها سطح ملموس فهي ليست مادة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

العالمون أكبر من أن يتم حصرها بخاصية واحدة، أما الأكوان المتعددة فكلها تقع في عالم واحد وهو عالم المادة، ولكي أخبرك بشكل تقني أكثر، هناك أربعة مستويات لتعدد الأكوان[1] :

[1] الكون اللانهائي : 

هذا الكون متسع بلا حدود هندسية ويستمر في التوسع والذي ليس له حدود، وكل عنصر فيه يمر بتكرارات لا تنتهي للأحداث الكونية ونوع من الصيرورة المستمرة، تختلف مواقع الكائنات مع مرور الزمن ولكن تبقى بنفس القوانين والتناظر "حركة إيروجيدية ergodic".

الكون المتوسع على نحو لانهائي …

[2] الكون الفقاعي : 

يوجد حدود لهذا الكون، تجعله يبدو أشبه ب"فقاعة" من حيث المفهوم لأنه مجرد سطوح ليس لها نواة "أجوف" تنتهي حدوده بمنطقة ما، وبعدها يبدأ كون آخر، بالأحرى غشاء آخر، ربما له أبعاد مختلفة أو "أكثر شمولاً"، وربما فيه فقاعات كونية أخرى لها أبعاد مختلفة، وربما لا تعبر عنها لا الكلمات ولا الرياضيات التي بحوزتنا. أيضاً هذا الكون الأم فيه فقاعات متنوعة وليس فقط كوننا، وربما عددها لانهائي، وهو أيضاً كفقاعة أم، يقع في فقاعة كونية أكبر، تحتويه وتحتوي أكواناً أخرى فيها أكوان أخرى … وتلك الفقاعات الأم هي وليدة كون أكبر، فيه فقاعات من أشكال ونواع أخرى، وهكذا إلى اللانهاية على مقدار ما يسمح به الوجود الممكن.

الكون الفقاعي …

[3] الكون الانكساري : 

أو "أكوان إيفريت" … كان الكون وحدة واحدة ذات يوم، وذات يوم تكسر كما تتكسر المرايا، وحينها تفكك الوجود الموضوعي إلى احتمالات لانهاية لها تغطي كسوره كل تلك الاحتمالات … في كون معين انتصر هتلر، وفي كون آخر قام ىينشتاين فإكمال نظريته وقام تيسلا بتحقيق السفر عبر الزمن، ولربما احد هذه الاحتمالات يشمل مثلاً شخصاً، وصل لأسرار تجعله يعبر الأكوان نفسها ويعيد صياغة أحداث الزمن.

الكون المتكسر …

كل الاحتمالات محققة، ولكن الراصد يرصد الاحتمال الذي يتصل به أكثر …

[4] الأكوان التفاعلية : هي أكوان يمكن صياغتها فيزيائياً، رياضياً، فلسفياً وعقلياً، خيالياً، جميعها يمكن أن توجد وبكل الاحتمالات الممكنة …….

...  ....  ... ....... ...  ....  ...

هذه هي أكوان الفيزياء، التي تشترك كلها في خاصية واحدة فقط : إنها تتكلم عن المادة الموضوعية ….

وفي حقيقتها، يمكن أن تكون جميعًا صادقة بنفس الوقت، عندما توسع زاوية الرؤية التي ترى بها أفق الكون، وتتعامل معه كحدث في أعماق الحياة وتدابير الوجود …

فالكون اللامتناهي في سعته يمكن أن يكون منضوياً تحت لواء الكون الفقاعي، والكون الفقاعي هو تعبير من تعبيرات كون إيفريت الانكساري، والكون الانكساري هو نوع من أنماط الأكوان التفاعلية.

فيزيائياً يستحيل إثبات هذه المستويات، لأن الكون المتعدد ينص على "اختلاف القوانين الفيزيائية وأبعاد الزمان والمكان من كون لآخر" وبالتالي اختلاف القوى الفيزيائية والمعادلات، وهي أمور تحول بينك وبين تلك الأكوان فلا رابطة فيزيائية يمكن استغلالها للاتصال بتلك العالمين … فالقوة الكهرومغناطيسية لا تصلك بها ، ولا يوجد جاذبية، وربما توجد تلك الأمور ولكن بصيغة غير قابلة للتفاعل مع عالمك.

يوجد طريقة واحدة، أن تفتح بوابة كمومية، تخترق مستوى المادة إلى عالم الكموم، وتنفذ منها إلى الأكوان التي تشترك مع كوننا بقوة الكموم كمسؤول مباشر عن بناءها وتركيبيها.

الآن هناك خلاف عالمي بين المتدينين من جهة والماديين من جهة أخرى حول وجود عوالم لانهائية من عدمه، لأن وجود هذه العوالم، بل بالأحرى والأكثر دقة : الأكوان، يحل محل الدين معرفياً … فذلك مدعوم بحملات التسويق الإعلامي التي تدعي أن نظرية الكون المتعدد تفسّر لك مثلاً لماذا هناك كون، دون أن يقال أنه قد تم خلقه، فهو أتى من كون آخر، أو هو أصلاً في صيرورة أزلية وبتضخم لانهائي أو بتوسع ثم انكماش ثم توسع "نوسان الكون" وهكذا … فهذا يحل مسألة الخلق، وأيضاً يكون الكون مصمماً ليس بقوانين تميزه عن غيره من الاحتمالات لأن جميع الاحتمالات محققة، بما فيها وجود آلاف وملايين ومليارات وتريليونات الأكوان أو أطوار كونك نفسه غير الصالحة للحياة البشرية، وهكذا فما غاية الكون ؟ طالما أنه ليس موجهاً للحياة البشرية ولكنه اتفق عرضياً مع وجود إمكانية لها ضمنه فما معنى أن يكون هناك حكمة في نظام الكون ؟

هذا التفكير ينتج عن افتراضين خاطئين تماماً، لطالما نبه المدركون لما يجري عليهما 

  • الأول أن الكون بفيزيائه شيء ثابت وجودياً ولا مجال للشك فيه، بينما الله هو الفرضية التي تحتاج للإثبات ، لذلك تبدأ الأدلة التي يتساردونها دائماً من منطلقات فيزيائية موضوعية بحتة، وهذا يعني أن الله بالنسبة لهم فرضية لتفسير الكون وليس أنه رباً للكون يأخذ هذا الكون كل قيمته ووجوده من الألوهية الباطنة فيه.
  • الافتراض الخاطئ الثاني تابع للأول، وهو أن أزلية الكون أو "كل النظام" المادي، وانضباط تفسيره بشكل كامل في قوانين فيزيائية، يعني عدم وجود دليل من داخله على الخلق أو التنظيم بقوة واعية وحيوية من الخارج…

الخطأ رقم 1 يعود إلى نشر التفكير المادي الإلحادي الذي يتخذ المعرفة الحسية مرتكز الحياة، ويجعل هذه المعرفة معصومة عن الخطأ، بل هي الوحيدة الممكنة بزعمهم، وأن كل المعارف الأخرى لا قيمة لها، لذلك يتم "تقديس" نماذج الفيزياء الحالية ، و"ترسيخ فكرة أن الفيزياء يجب أن تكون مادية دائماً وأبداً وهي تجيب على كافة التساؤلات التي حيرت الإنسان عن الوجود".

طيب هل كان الافتراض السابق عن الكون المتعدد واللانهائي والأزلي شيئاً لا يقوى عليه الناس في العصور السابقة ؟ هل يحتاج الأمر أصلاً إلى تجريب أو إلى معادلات فيزيائية معقدة لتفكر في هذا الاحتمال ؟ ما الذي اختلف اليوم ، شيء واحد فقط إنه الضجة الإعلامية والتحويم المستمر حول نفس طريقة التفكير وعدم محاولة الخروج عنها.

حتى أن الفيزيائيين أصبحوا بنظر الناس كائنات من نوع مختلف، وصاروا يخافون منهم ومن دراسة الفيزياء ويتخيلون أنها "قادرة" على تفكيك الإيمان أو على الاقل إزالة وجوبية الفعاليات الإلهية التي ينخلق بها الكون.

والأكثر سوءً هو البروباغاندا التي تم تجييشها لتقول لك إن ميكانيك الكم تقول إن المنطق غير صحيح، والقياس المنطقي لا يثبت شيئاً، ولهذا لا يمكن للدليل المنطقي دون تجريب أن يبرهن على حقيقة مطلقة، والحقيقة كلها تجريب مادي، وصاروا يهتفون بشعارات رنانة مثل "ميكانيك الكم لا يمكن أن تؤذيك" أو "النرد الكوني" … وكأن الإنسان معني ومجبر على تتبع أحكام فئة معينة من الفيزيائيين تتعرض بعلومها ونماذجها للمنطق وللحياة كلها، فقط لأنهم رؤوا تجارب معينة أو قرؤوا عنها، نعم هم ربما فعلوا ذلك … ولكن هل تأويلهم للتجربة كان صحيحاً أصلاً؟ هل الفيزياء تعطي معايير مناسبة للتأويل؟

عندما يقولون لكم إن ميكانيكا الكم تعني اللاحتمية المطلقة في الوجود، فهذا حكم يساوي بين المادة والوجود بأسره، فهم لا يطلقون حكماً على الظاهرة التجريبية وحسب، ولكن أيضاً يقولون إنه ليس لها جوهر وحقيقة، وهذا الحكم أنطولوجي وليس فيزيائياً، ولا علاقة للفيزياء كلها ببحث الحقيقة المطلقة وماهيات الوجود.

تأويل ظاهرة تدو لك غير منطقية، على أنها حقاً غير منطقية يستدعي أكثر من مجرد رصد وتسجيل و رأي وإسقاط على مفاهيمك.

صحيح أن اللاتحديد ظاهرة مثبتة تجريبياً، ولكنها لا تقول أن الكون لاحتمي وعبثي، كما يتم التسويق الإعلامي لها، كل ما في الأمر أنه "لا وجود لسبب فيزيائي" للأحداث الكمومية، ربما هناك سبب في نظام مستتر "بتعبير ديفد بوهم" وهذا النظام ليس فيزيائياً من الأصل.

هل هناك نظام مستتر يتحكم بالتكوين؟

هذا ليس بحثاً تقوم به فيزياء فقط تدرس الظاهرة نفسها، لأنه بحث ينفذ إلى ما وراء الظاهرة التجريبية ….

وكذلك بالنسبة لأزلية الكون، هذه أزلية للزمن المادي، وليست أزلية مُطلقة، ولذلك كان هناك الكثير من الفلاسفة المسلمين يؤمنون أن الكون أزلي ولم ينخلق في لحظة ضمن الزمن المحلي، بل قُل انخلق الزمن المحلي في حادثة انوجاد الكون، وصار للزمن معنىً بعدها، وقبلها لم يكن هناك زمن محلي تعاقبي الأحداث، ليس هناك تعاقب زمني بين حدث وآخر، وكما يقال "المتعاقبات في راصدة الزمن، متحدات في وعاء الوجود" فكل الأحداث المتعاقبة هي حدث واحد، هو الكون نفسه.

هذا رأي ابن رشد، وابن عربي، ورأي أرسطو وأفلاطون، هؤلاء جميعهم كانوا يؤمنون بالله وبالحقيقة المطلقة، وجميعهم رفضوا فكرة وجود الكون هكذا في لحظة ضمن مسار الزمن المحلي نفسه … وقالوا أن الأزلية الفيزيائية خاصية لزمن الكون وصفة من تكوينه الفيزيائي.

فلا معنى للأزلية الفيزيائية إلا بنسبة أحداث الكون إليها، خارج الكون كل زمن الأزلية حدث وحيد.

وهذا الحدث لا يسبقه حدث من نفسه سنخه ونوعه، لذلك معنى أن يسبقه شيء هو أن "تخرج بصرك من رؤية نفس نظام الأرصاد التي تراها" إلى عالم فيه زمن يختلف جذرياً عن ما تراه ليس في الأحداث فقط، بل في القوانين، والمفاهيم، والأحاسيس، والذكريات ، والعظمة والمهابة وكل شيء …."

كذلك هو الأمر بالنسبة لقوانين الكون الألية، هي لا تحتاج لسبب ضمن الزمن المحلي، أصلاً إذا كان الكون يبدأ من لحظة معينة والقوانين تبدا في نقطة معينة من الزمن المحلي فلا معنى حينها لقولك إن الكون قد تم خلقه ؟ لأن هذا الكون انخلق في نفس الزمن المحلي، أي أنه "كنظام" كان موجوداً قبل لحظة انخلاقه، إذن حين تتحدث عن الكون كشيء يبدا من نقطة معينة من الزمن فأنت تتحدث عن "جزء من الكون" وهذا هو السبب الحقيقي في أن الأكوان تبدو متعددة في تلك المستويات التي شرحناها، بينما تشير لشيء واحد وكيان واحد. ولذلك يسألك الناس "ماذا كان الله يفعل قبل خلق الكون" لأنهم يخالون أن الخلق حدث في زمن كزمن هذا الكون نفسه، له ماض وحاضر ومستقبل، ولا يدركون أن الزمن الكوني الذي نعرفه وفيه تعاقب محلي بين الأحداث قد بدأ مع الكون نفسه. وبالتالي يظنون أنه يجب أن يكون هناك شيء ما يسبق الكون، ويكون أيضاً متصفاً بنفس صفاته الجوهرية، فهو أيضاً محلي، تعاقبي، مادي ولذلك يجيب على سؤالهم، والذي يطرح سؤالاً جديداً ؟:

ماذا قبل ذلك وماذا قبله وما قبله … وهذه كلها نتيجة التفكير بأن الزمن عند الله كالزمن عند الناس … والفرق بينهما كمي فحسب.

وهنا أحب أن أخبرك، ليس معنى أن تعترف بوجود الله عقلياً كخالق للكون، أنك مؤمن به، المؤمن الحقيقي تام الإيمان لا يقبل أن يقول إن الله كمثل هذا الكون وأشياءه، لأنه من يقول اليوم إن الكون محاكاة حاسوبية لحاسوب مادي من صناعة كائن مادي في كون آخر، وهكذا يكون خالقاً، هل المهم أن تقول هناك خالق، أم أن ترفع رؤيتك للخالق عز وجل عن رؤية الكون الدنيوي الظاهري والموضوعي والمقيد ؟

الحقيقة ... حين تقول إن الله خلق الكون في نقطة زمنية تسبقها نقطة أخرى لها مكان مادي وزمان محلي، كأنك تقول بطريقة أخرى إن الكون المادي أكبر من الله … وأن الإله الحقيقي هو القوانين التي تحد عمل الله وتجعلنا نتساءل عنه... هذا هو السبب الحقيقي في أن الإلحاد يبدأ من الرغبات والمنطلقات، وليس من التساؤلات ...


إرسال تعليق

0 تعليقات