Advertisement

Main Ad

الإنسانية والجنس من رؤية إدراكية حيوية

فهم الإنسان يتطلب فهم الجنس باعتباره محوراً أساسي في الوجود الإنساني، من حيث أنه الدافع الأقوى الذي يجعل الإنسان يتمسك بحياة إنسانية اجتماعية نسبية وحكاية عبثية صغرى، فهو العزاء الوحيد للضعفاء والمطمع الوحيد للذين استبكروا.

من أجل فك القفل الذي يحجب سر وجود الإنسان بهذا التركيب المتناقض والمبعثر، في هذا العالم العبثي والتفاعل اللانهائي للزمن نحو اللاشيء، يجب فهم الدوافع الأعمق التي تجعل الإنسان يرضى بإنسانيته ولا يتوقع أو يسعى لتجاوزها، ورغم أن المتعارف عليه هو أن دافع البقاء هو الدافع الأقوى ولكن لدي رأي آخر، ففي كينونة إنسانية بحة، دافع الجنس أقوى من دافع البقاء.

إغماض العينين عن الحقيقة الماثلة أمام الوعي، لن يجعله يتجاوز مرحلته، وتحريم الخوض في مبحث الجنس من أوسع الأبواب لن يجعل الوعي يتحرر منه.

الفرق بين أن تتجاوز المشكلة وبين أن لا تكترث بها هو ما يصنع الفرق في المصير.

والجنس مشكلة من حيث المبدأ ، لأنه حاجة نحو العالم الخارجي، وهذا يعني تقييداً للحرية المطلقة للروح، ومن اللازم على الأقل أن يدرك النسان لماذا ؟ عليه أن يكون جنسانياً ..

قبل الاستغراق في البحث لابد من فهم حقيقة محددة جداً، وهي "ما هو الإنسان" ؟

إذا عرفناه على أنه "حيوان ناطق" أي حيوان له قوة عقلية وعرفنا الحيوان بأنه كائن عضوي نامي ومتحرك، أتوقع أننا نبتعد كثيراً عن الجوهر، لا شك أن الإنسان حيوان ناطق إذا أخذناه ظاهرياً، ولكن حتى الروبوت يمكن أن يكون حيواناً ناطقاً، ولكن ما الذي يميز الإنسان حقاً عن الكائنات المادية والآلات ؟

إذا أجبنا بأنه الوعي، فنحن نصيب قليلاً، إذ هو يمتلك قدرة على "التجريد" الوصول إلى الكليات، و"الإحساس" والوصول إلى الوجدانيات، ويمكنه أن يكون يقظاً، وحين يكون يقظاً يمكنه أن يقرر قراراً ذاتياً، يصنعه هو بذاته، مما يعكس عدم خضوع وعيه للعالم الخارجي أو ل(الآخر الزمني).

ولكن هذا الوعي بحد ذاته ليس إنساناً، هذا الوعي أقرب إلى أن يكون كينونة ملائكية، إنه بالكاد يخطئ الإنسان أو يقترف أي شر وهو بحالة يقظة ووعي، الشر والاعتداء والخطأ دائماً مقترن بذهاب الوعي ، بالسكرات، بالغفلة، باتباع الغريزة، المهم أن هناك "دافعاً خارجياً" بالنسبة للوعي هو الذي يجعله يخطئ.

الوعي الخالص أقرب إلى أن يكون من أمر الله {( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي )} ولكن الإنسان ليس كذلك، إنه يخطئ ويصيب، إنه يخلص ويشرك، إنه متبعثر ومتناقض وعبثي ومزاجي، فوضوي التكوين، مليء بنقاط الضعف، ومع ذلك يطلب الحياة، إنه باختصار وعي و"شيء آخر" وهذه الحالة التركيبية من (الوعي واللاوعي) هي التي تجعل الإنسان إنساناً.

يمكن أخذ دماغ إنسان وحشره في روبوت عملاق، ولكنه لن يتوقف عن أن يكون إنساناً، يمكن وضع الإنسان في محاكاة، وفيها يتم تصويره بصور مختلفة كحيوان أو ككائن أسطوري أو ككائن فضائي، وسيبقى من الداخل إنساناً له جميع النزعات الإنسانية، يتصرف كما يتصرف الإنسان، فالبعد التشريحي، خصوصاً الخارجي، لا يمكنه أن يعطي الإنسان هُويته.

وفي الجانب الآخر، يمكن للحاسوب ، وللشمبانزي، كل بطريقته أن يتعلم اللغة ويستخدمها ويتعلم مبادئ الرياضيات ويستخدمها، ومن الممكن نظرياً أن يكون هناك كائنات فضائية أقوى عقلياً من البشر، ولكن هل ستكون إنساناً لأنها قادرة على استخدام اللغة والمهارات العقلية فحسب ؟ أعتقد أنه من الواضح للجميع، أن الفرق بين الحاسوب والإنسان ليس في "القدرة العقلية"، ولكن في الكينونة بكامل تكوينها، فالحاسوب عقل ويمكن أن يزود بالجسد، لكنه فاقد ل"الوعي" ولو كان لديه الوعي فسيكون إنساناً، وربما سيكون أرقى وجودياً وكونياً من الإنسان.

إذن ما يجعل الإنسان إنسان هو "الديالكتيك" الحاصل بين الوعي واللاوعي، هذه الحالة ، من التفاعل بين "الروح الحية" و"القالب الزمني الميّت" هي التي تجعل الإنسان مختلفاً عن الملائكة (الوعي الخالص) وعن الآلات (العقل والجسد الميّتان).

وجود الإنسان إذن هو "حالة زمنية" وليس كما كنا نعتقد دائماً ، أنه شيء بحد ذاته، الإنسان هو الديالكتيك بين الشعور واللاشعور، متى انقطع الديالكتيك ينتهي وجود الإنسان، استمرار التفاعل، استمرار النار في الاشتعال والاتقاد، هو ما يجعل الإنسان إنساناً ويبقيه في نفس دائرته الزمنية.

هذا التعريف مخالف للمنطق الأرسطي على نحو جوهري، لأن أرسطو وسائر العقلانيين بعده اعتقدوا أن الإنسان هو "جوهر" وليس "حالة"، وكما ترى، من السهل نسبياً إثبات أن الإنسان هو "حالة" تصيب الوعي، فيفقد الاتصال بجزء منه، على الأرجح نقول إن الوعي يفقد شيئاً من "الحقيقة".

بالنظر إلى ذلك، فإن ما يجعل الإنسان إنساناً هو ما يجعل الوعي "ينسى" وهذا يعني ، التركيز على موضوع جزئي، فالإنسان إنسانا لأنه يركز على الجزئيات، ويتعامل مع البعثرة الوجودية، إنه إنسان لأنه يركز على "نقاط زمنية متتابعة" ولا يمكنه إدراك الزمن ، أو إدراك حالات كلية، وفي الوقت نفسه، يجد الإنسان أنه تقريباً ، يتخلص من حدود كينونته ، في اللحظة التي يشعر فيها بمشاعر وجدانية عميقة، قادرة على "إيقاظه" مثلاً ، أثناء الزلازل، يحس أن كينونته المسترتسخة يتم زعزعتها عن وجودها.

كذلك الأمر في الكوارث الطبيعية، في الحروب الطاحنة ، أثناء سماع صوت الرعد ، أو رؤية الكواكب تقترب شيئاً ما من الأرض، وفي أيام الخلوات ، هذه الأحداث والاختبارات من شأنها أن تزيح كينونة الإنسان من حالة الصيرورة المستمرة مع الأحداث التي تقولب حياته وتصنع سرديته، وهذا بالضبط ما يمكن التعويل على التعمق به من أجل كشف الوجود الباطني للإنسان.

طالما أن الإنسان في حالة صيرورة فإنه يبقى ضمن حدود جدلية الشعور-اللاشعور، وبالتالي يبقى إنساناً، لكن إذا ، استطاع الشعور التخلص نهائياً من حالة اللاشعور، وبالتالي من كامل القيود المفروضة على الوعي والإدراك والرغبة والتفاعل، فلن يبقى للإنسان نفسه المعنى، حتى ولو يبقى الوعي حبيس الجسد، لكنه بلا شك لم يعد وعياً بشري، لأن الجسد أصبح مطواعاً، ولم يعد له فرصة للتأثير على النفس، وكذلك العالم الخارجي، لقد تقبل الوعي مسبقاً خسارة العلاقة مع جسده وعالمه الخارجي طالما أن منطلقات هذه العلاقة خارجية، وأصبحت علاقة الوعي بالعالم الخارجي تبدأ من منطلقات داخلية، هذا هو ما يسمى في فلسفة بوذا صل الله عليه وسلم ب(الأناتمان-فناء الأنا أكون).

في حالة الجنس بالتحديد، يكون هناك "تركيز كهروعصبي عالي" على "الاحتكاك المادي" مع جسم آخر، وهذا التركيز على "الانطباع الحسي المباشر" يعني نسيان كل الوجود، والزمن، والمصير، والقيم، على الأقل للحظة، وعلى الأقل جزئياً، خارج حالة الاحتكاك والمجانسة.

بالاعتماد على المبدأ الذي يقول إن الإنسان هو (وعي) يركز على الانطباع الحسي المباشر وينتزعه من الوجود، وينسى الحقيقة التي وراءه ورحابة العالمين، يكون الجنس هو "التمثيل النموذجي" لـ(فعل الإنسان الخالص) ، من حيث يكون الجنس هو "فعل التركيز العميق جداً على (الاختبار\الانطباع) الفيزيولوجي المباشر" والذي يصل للذروة في اللحظة التي يفقد الوعي فيها القدرة على إدراك أي شيء آخر خارج الاختبار الجنسي (النشوة).

هذا يعني أيضاً، أن استغراق الإنسان تماماً في اختبار انطباع النشوة الجنسية والتركيز عليه تركيزاً موجباً (تركيزاً يتم الإقدام عليه) يرفع الحماية عن العقل من تلقي وقبول الاقتراحات والإيحاءات النفسية المتزامنة مع لحظات النشوة، أو بالأحرى إنه يتوقف عن الشعور بكينونته الكلانية، ويسلّم سلطة التحكم بها إلى الإطار الذي يسمح له باختبار تلك النشوة، ف(إذا) جاءت النشوة في إطار السادية ، أو الماسوخية ، أو أي سلوك عبثي لا تعليل واضح له، وركز الإنسان فقط على النشوة فسيقيد تفاعله النفسي في هذا الإطرا، وسيكون تحريره مرة أخررى عسيراً ويحتاج إلى علاج.

لأن الوعي وافق على أن يصب كامل تركيزه في الوصول إلى ذلك الانطباع وينسى ما وراءه أو يغفل عنه، ، وهذه الاقتراحات غير واضحة بالنسبة للوعي، لأنه يسلم بالتركيز فقط على النشوة مقدماً، ولذلك يمكن زرع السادية أو الشذوذ في الطفل إذا تعرض للاغتصاب، أو اختبر نشوة في أثناء سلوك سادي أو ماسوخي، لأن تركيز الطفل سينصب على "النشوة" التي سيتعرض لها ولن يستطيع تجنبها على الأرجح، بما أنها تجربته الأولى، وسيتقبل الإطار التأويلي الخاص بتجربته لاشعورياً مهما كان شكل هذه التجربة ظلامياً.

عادة يكون الأطفال هم الأكثر قابلية للانحراف نتيجة التفاعل الجنسي، لأنهم غير صلبين بما يكفي لتميز الأمور ورفض الاقتراحات وتحديد الأولويات، ومع ذلك من الممكن حتى للكبار أن يتعرضوا لمثل هذا الموضوع، وفي الحقيقة أغلب المشاكل الزوجية تبدأ من اللحظة التي يطلب فيها أحد الطرفين مطالب جنسية تجعل الآخر يحس بأنه مضطر لتعريض كينونته إلى خطر الانحباس في نموذج معين، وشخصية معينة، وربما قتل كينونته الأساسية إلى حد ما، فقط من أجل إرضاء الشخص الآخر، وهذا ما يحدث عندما يطلب الرجل ممارسة الجنس مع الزوجة من الخلف، فهي تعلم أن مثل هذا الخضوع سيغير أشياء كثيرة غير الجنس، لأن الإنسان يكنونة مترابطة ولا يمكن عزل تفاعل محدد عن باقي الكينونة، بالتأكيد ستختلف نظرتها لنفسها، وستحس أنها (أداة) لتحقيق شهوة عبثية لا معنى لها، وكذلك الأمر مع القذف الفموي وبقية هذه الأعمال العبثية، ومن الواضح أن النساء هن الضحية الأولى لهذه الممارسات، ومن الواضح أن السبب في ذلك هو ضعف القدرة على الاستقلال عن الشريك.

أثناء الاغتصاب ، أحياناً ، تصل الضحية إلى حالة تماهي، (تنسى) فيها أنها تتعرض للاغتصاب ، والظلم ، بسبب تركيزها على النشوة المادية المتحصلة جراء هذه العملية ، وهذا التركيز على النشوة ونسيان ما وراءها قد لا يكون طواعياً بالنسبة لضحية الاغتصاب، لأن الضحية كونها (إنسان) يجعل التعرض للنسيان أثناء ارتفاع عتبة الألم مسألة ممكنة للغاية، أي وكأن الخطيئة الحقيقية للضحية لم تكن في لحظة الاستمتاع باغتصابها، ولكن حدثت في الماضي البعيد، حين تجهزت نفسياً لمثل حالة النسيان هذه.

هذا هو السر الذي لا يريد أحد تفهمه، ولا يريد المختصون الحديث عنه علانية، في مدى خطر وسوء جريمة الاغتصاب، وكأن إخفاء شيء كهذا سيجعل الضحية بحالة أفضل ..

هناك أيضاً مفهوم (نقطة اللاعودة) أثناء العملية الجنسية، حين يتوهم الإنسان أنه غير قادر على إيقاف هذه العملية من فرط النشوة، مهما حدث، أي ، حتى ولو حدث زلزال، أو قامت حرب، لأنه لم يعد يتحكم، ولكن في الأصل، هو من برمج نفسه على هذا السلوك.

إذن ، أرى أن المقال وضح مسألة مهمة جداً بخصوص مقام الجنس في حياة الإنسان، وهي أن الجنس بحقيقته المجردة هو احتكاك عصبي مع موضوع مادي، بالكاد يمكن ان يكون لهذا الحدث أي معنى على الإطلاق، ولكن قوة الجنس والدافع الجنسي تأتي من مكان آخر، بالتحديد من "الإطار التأويلي" الذي يجعل الجنس لعبة إيحائية ، قادرة على تحقيق انطباعات يسهم الذهن في تكوينها، تتجاوز ما يتيحه الجسم المادي.

ولكي يحقق موضوع مادي انطباعات يسهم الذهن في تكوينها فلابد من "إعادة تأويل وتصور" هذا الموضوع المادي، مما يعني انتزاعه من خلفيته الوجودية، وكذلك يعني التركيز عليه ونسيان ما وراءه، فالإنسان يعزل نفسه عن الوجود من جهة، وينتزع الموضوع الذي يريد إعادة تأويله وإعطاءه معنى جديد من مكانه في الوجود من الجهة الأخرى، حتى يصل في النهاية إلى حالة النسيان.

وعندما يكون الانطباع الجنسي هو الموضوع المنتزع من وجوده الحقيقي والمعاد تصنيعه في الذهن بوجود ظلامي ينشأ ما يسمى ب"الدافع الجنسي" والميول الجنسية" ومن المهم في هذا المقام أن ندرك مفهوماً حساساً جداً وهو "النموذج العضوي" مقابل "النموذج الذري" و"النموذج الحيوي" :

النموذج العضوي في التأويل الإنساني هو إقامة ارتباطات هلامية ذهنياً بين الموضوعات المادية ومعانيها، هذه الارتباطات تؤخذ على محمل الجد كثيراً، مع أنها كونياً لا تستدعي كل هذا الجد ولا يمكن تحديدها بهذه الدقة، والمشكلة أنها تمتزج بهوية الإنسان وتعطيه القدرة على إثبات الوجود من خلال إثبات صحة رأيه بخصوصها، العقل الجمعي لأي أمة يمثل الحالة الشائعة للنموذج العضوي، على سبيل المثال، تقديس أمة معينة لقائد معين، أو لفنان معين، هو فعل عبثي جداً، ولكن من السهل فهم الميكانيزمات النفسية القابعة وراءه .. وجود الإنسان الذي يقدس ذلك القائد أو ذلك الفنان يعتمد على هذا التقديس، وإزالة هذا التقديس ستعرض نموذجه المتعضي للتحلل، وهذا سيشكل خطراً على مفهومه عن نفسه وعن الحياة وعن الوجود، أي ومثلاً، إذا أبديت رأيي الحقيقي بفيروز ، باعتبار صوتها اصطناعياً وخالياً من الإحساس العميق، وأغانيها سطحية جداً ومملة جداً بشكل عام، أمام شخص لبناني مسيحي، أو قلت لأحد الموحدين الدروز إن صوت ربى الجمال أجمل بكثير من صوت أسمهان، أو إن صوت عبد الحليم أجمل بكثير من صوت فريد الأطرش، وحتى ألحان عبد الوهاب أجمل بكثير من ألحان فريد ، فهذا الرأي النابع من إدراك موسيقي خالص، سيقابل بهجوم شرس جداً، بشتائم وشخصنة ، وكأنك تنتقد آلهة وليس أشخاص، ولكنك فعلاً تنتقد آلهة بالنسبة للإنسان الذي يتبنى "نماذج" عن تلك الشخصيات، تتعضى مع وجوده وهُويته، وعليك أن تتقبل أن هذا أمر لا مفر منه بالنسبة للعقل الجمعي.

النموذج العضوي هو بالضبط ما يجعل الجنس موضوعاً جوهرياً في حياة الإنسان، لأن الجنس بحد ذاته مجرد احتكاك، ولكن كيف يرى الإنسان هذا الاحتكاك، وبماذا يربطه، وكيف تتبدى معالم هوية الإنسان من وجوده وتفاعله الجنسي، فهذه كلها موجودة في الذهن لا في الواقع، ولا حقيقة تحملها خارج الذهن (خارج اعتراف الإنسان) وهذا يُلزم الإنسان بالبقاء في صراع مع اللاشعور طالما يرى بالبقاء في زنزانة نموذجه العضوي، وطالما أن الإنسان متعضي ذهنياً مع مفاهيم مجتمعه فيستحيل عليه التحرر إلى مجتمع آخر.

النموذج العضوي بشكل عام هو حالة من "الهلامية المطلقة" بحيث لا تعود تستطيع أن تعرف ما هو الخير، ما هو الشر، الحق والباطل، العلم والجهل، الصواب والخطأ، إلا ضمن نسقيات النموذج العضوي، وحسب تخريج أحشائه … وهذا بالتأكيد أكبر عائق أمام الوصول إلى الحقيقة، وهو السبب المباشر في أن أغلب الناس لا يصلون للحقيقة، والنموذج العضوي قائم أساساً على نزعات سيكولوجية، بالتحديد على طلب اختبار حالات معينة من النشوة واللذة ، تقتضي نسيان ما وراءها، وبالتالي تفويضه للتعضي الذهني.

نعم هذا صحيح، الذهن هو (الوحش) الذي يقع على بوابة الحقيقة، ويمنع الإنسانالغير مستعد للتخلي والتخلّق الحقيقي، لا أخلاق المجتمع، من العبور …

طبيعة الإنسان من حيث هو يركز على الجزئيات والمبعثرات والموضوعات المحدودة، وينتزعها من خلفيتها في الكون والوجود، فيلغي اتصالها بهويتها الحقيقية، ويحيلها إلى أمور عبثية، قابلة للتأويل المفتوح، هو ما يعطي ذلك الاحتكاك البسيط والضئيل قوة تأثيره على حياة الإنسان، ومعتقداته عن نفسه وعن الوجود، ويجعله مركزياً ويجعله أقوى دافع في مستوى (الإنسان) وليس في جميع مستويات الكينونة.

التركيز على الانطباع الحسي المباشر يمثل قمة الأنانية في الوجود، وهذا يعني أن جوهر العلمية الجنسية هو (الأنا أكون) لأن هذه الأنا تكون على حساب الوجود، والآخر، والذات، والمصير، مع إهمال مطلق لأي شيء غيرها، بما في ذلك الله، والحقيقة.

لأن لانطباع الحسي المباشر خاص بك "أنت" وأنت الذي تختبره، وهو ما يمكنك أن تعتقد بثقة كاملة أنك تمتلكه، رغماً عن الوجود ، كما يتوهم الإنسان ، وهذا ما يجعله يصرخ من حين لآخر بجرأة على الله والحياة والعالمين ، معلناً إلحاده وكفره ونكرانه ، لأنه (يكون).

عزل الانطباع الحسي المباشر عن الحقيقة هو السبب في فقدان القدرة على الكشف الدقيق للأحكام النهائية، عندما تركز فقط على الانطباع، فهذا يترك المساحة وراءه فارغة لتسمح بالتأويل، وبصورة نموذجية تكون هذه المساحة معدومة الوجود (لا شيء خارج الانطباع) ويكون العلم هو محاولة لبناء هيكل لعالم مكون فقط من الانطباعات ، دون أي حقيقة وراءها، وهذا ما يعنيه المذهب الطبيعي، وبصورة أعمق ، النموذج العضوي للإنسان.

ومن الملاحظ، على عكس ما يذهب إليه عبد الوهاب المسيري، أن النموذج العضوي ينتشر في المجتمعات الأقرب للتلاحم والشيوعية، ويبتعد عن المجتمعات العلمية والتكنولوجية ، الذين يتبنون النماذج الذرية، ومن الملاحظ أيضاً أن الجنس يكون مركزياً أكثر في حياة المجمعات البروليتارية ذات النموذج العضوي، وقد يكون هذا صادماً ولكن بلداً مثل العراق أو الجزاءئر أو فلسطين أو مصر ، تحمل تقديراً للجنس والمادة أكبر بكثير ، بمراحل ، شاسعة ، من التقدير الذي تحمله المجتمعات الأوربية المعاصرة لهذه الأمور.

ربما هناك يكون الموضوع مفتوحاً للحرية والتعبير ، ولكنه ليس مركزياً ، ولكنه في الوطن العربي ، والمجتمعات البروليتارية يكون مركزياً إلى درجة التأليه أحياناً (آلهة أنثوية - إنه متيم إلى درجة العبادة)

ربما هذا المقال واحد من السوداويات التي نشرتها على كيورا ، ولكن تذكر دائماً أنك لا تستطيع الانتصار على الظلام وأنت تعتقد أنه نور…

تحياتي.

إرسال تعليق

0 تعليقات