Advertisement

Main Ad

الدين المظلم [2] : مراحل المؤامرة ومستوياتها الوجودية - الأدلة - الأدوات

  المؤامرة على حقك بالوجود، هي حقيقة واضحة، والشك بها سذاجة، وإنما الاختلاف فيها حول "طبيعة الأبعاد الأخلاقية والآليات التكنولوجية والغايات النهائية"، وهي التي تحدد وتوجه طبيعة المؤامرة.

كثير من العرب (ومن الغربيين والأمريكيين) يؤكدون ضد الشك، أن أمريكا تتآمر على العالم، لهدف السيطرة فحسب، والتي لا مبرر لها، ولكن وصف طبيعة المؤامرة صعب، حيث تتداخل كافة الملفات المظلمة للنظام الأمريكي، لأنهم أدركوا نصف الحقيقة فقط …

وهذا النصف الذي أدركوه، هو أن أمريكا تتآمر لاحتلال العالم وبنفس الوقت لمحاربة القيم العليا في هذا الوجود، ولكنهم ينظرون إليه كما لو كان لغزاً من ألغاز البوزل ، من الصعب عليهم إدراك الصورة وتجميعها ( أمريكا ! العالم ! الحرب على الدين ! الحرب على القيم ! الديموقراطية ! الحقوقية ! ما الذي يجري هنا !!)

أولاً لنتفق على مسألة مهمة ننطلق منها في بحثنا، واضحة وضوح الشمس : أمريكا تسعى للسيطرة الثقافية على العالم، والثقافة هنا تعني مجموعة القيم الحداثية التي تؤسس للاقتصاد الرأسمالي ولمذهب ما بعد الإنسانية وتفويض الآلة بشؤون البشرية، ولي أثبت كلامي دون كثير من الحكايا وبدليل قاطع، إليك هذا المقال :

العولمة والديمقراطية و"المضاعفات غير المحسوبة"
هل الديمقراطية في الشرق الإسلامي في أوائل القرن 21 محكوم عليها بالاعدام سلفاً، كما كان الأمر مع التجربة الليبرالية - الديمقراطية الأوروبية في أوائل القرن العشرين؟ تاريخ العقد الأخير من القرن 20 قد يساعد على الإجابة، حيث أن الشعوب العربية دخلت الحقبة التاريخية الجديدة من العولمة، وهي في وضع أسوأ من الذي كانت عليه شعوب أوروبا الشرقية. في الأول من شهر مارس الجاري، كتبت "واشنطن تايمز" الناطقة بإسم المحافظين الجدد الأمريكيين: "... ولكن نحن نُـدرك أيضاً أنه إذا ما برزت حكومات تمثيلية حقيقية في مصر والسعودية وباكستان وأماكن أخرى في هذه الأراضي المضطربة، فليس محتماً أنها ستتصرف بشكل متطابق مع مصالح أمننا القومي. لذا، يجب على الإدارة أن تبذُل على الأقل الجهود نفسها لتشكيل سياسات هذه الديمقراطيات المستقبلية، كما تبذل الآن الجهود لإخراجها إلى الوجود. الرهان على الديمقراطية هو أفضل رهان متوافر، لكنه ليس رهاناً مضمونا". نص مفاجئ، أليس كذلك؟ بالتأكيد، فهو يؤكّـد بشطحة قلم واحدة كل من اتهموا أمريكا بأنها لا تسعى في الواقع إلى نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كما تدّعي، بل إلى تغليف مصالحها الإمبريالية بورق "سيلوفان" ديمقراطي، وإلا ما معنى هذه الدعوة الفجة لإخضاع الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي؟ هل يعني ذلك أن الديمقراطية في الشرق الإسلامي في أوائل القرن الحادي والعشرين محكوم عليها بالاعدام سلفاً، كما كان الأمر مع التجربة الليبرالية - الديمقراطية العربية في أوائل القرن العشرين؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. لكن قبل ذلك، لا بد من وضع الأمور في نصابها قليلاً حيال هذه المسألة، إذ أن تبَـنّي الولايات المتحدة لعملية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الموّسع، ليس هدفاً مثالياً نظرياً بقدر ما هو خطة عملية تصب مباشرة في حُـضن مشروع أضخم بكثير، هو ثورة "إمبراطورية العولمة". كيف؟ هنا يطل الباحث توماس بارنيت، أبرز محلل إستراتيجي في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، برأسه ليرسم الصورة الحقيقية لما يجري الآن في الشرق الأوسط الكبير وبقية أنحاء العالم. يقول بوضوح، في كتابه الأخير "خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، إن دور الإمبراطورية الأمريكية الأول والأخير ليس المباديء الديمقراطية ولا قيم حقوق الإنسان، بل نشر العولمة الرأسمالية وفرضها بقوة السلاح في كل أنحاء العالم إذا إقتضى الأمر. ويضيف: "ثورة المعلومات والاتصالات غيّـرت معالم الصورة الدولية، لكن الولايات المتحدة كأمة لم تفهم بعد مضاعفات هذا التطور الكبير، فقواتها العسكرية لا تزال تعمل على أساس ردود الفعل على الأزمات. صحيح أنها تدخلت عسكرياً في حقبة التسعينات بأكثر مما فعلت طيلة الحرب الباردة، إلا أن البنتاغون صنّـف هذه التحركات تحت خانة "العمليات العسكرية" وليس تحت خانة "الحرب"، وكأنه يريد أن يقول إنه لا معنى إستراتيجي لها، وهذا ليس صحيحا"، برأي الكاتب. "مركز العولمة الفاعل" فالعمليات العسكرية وحالات الانتشار الحربي تركّـزت في تلك الأجزاء من العالم المستبعدة مما يسميه "مركز العولمة الفاعل"، وهو يُعرّف هذا المركز كالآتي: 1- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة إذا ما كانت تتفاعل مع مضمون التدفقات التي تنتج عن إدماجها ما هو قومي بما هو إقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الإعلام). 2- أي دولة أو منطقة تكون فاعلة حين تسعى إلى تنسيق "قواعد حكمها الداخلي" مع الحكم العالمي الصاعد للديمقراطية، وحكم القانون والأسواق الحرة (مثلا عبر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية). لكن من هي الدول أو

"يطل الباحث توماس بارنيت، أبرز محلل إستراتيجي في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، برأسه ليرسم الصورة الحقيقية لما يجري الآن في الشرق الأوسط الكبير وبقية أنحاء العالم.

يقول بوضوح، في كتابه الأخير "خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، إن دور الإمبراطورية الأمريكية الأول والأخير ليس المباديء الديمقراطية ولا قيم حقوق الإنسان، بل نشر العولمة الرأسمالية وفرضها بقوة السلاح في كل أنحاء العالم إذا إقتضى الأمر."

لا يوجد إنسان عاقل وصادق ويصر على أن أمريكا لا تتآمر للسيطرة على العالم، هذه الثلاثة لا تجتمع أبداً، فالمؤامرة هي طبيعة أصيلة في أي نظام سياسي توسعي، ونعني بالمؤامرة : حياكة نظام باطني غير واضح المعالم لتحقيق أهداف محددة بدقة عن طريق ردود أفعال المتفاعلين مع هذا النظام.

هل يوجد نظام سياسي في العالم لا يقوم بذلك ؟ كلا، ولكن تختلف طبيعة المؤامرة من دولة لأخرى باختلاف غاياتها ومعاييرها وطرائق سعيها وقدراتها، مثلاً أنت تملك معياراً قاطعاً أنك تريد الوصول إلى السيطرة على دولة السعودية، وبنفس الوقت لا تهتم لقضية تجارة الجنس، الطبيعي من الإنسان العاقل أنه سيعلم أنك "لا تهتم كثيراً بمدى معاناة النساء اللاتي سترسلهن في مهمات جنسية مع الحكّام في السعودية"

لنفرض أنك لا تهتم أيضاً بالسرقة المعلوماتية، من الطبيعي أن تستأجر لصوص معلومات لتهكير وقرصنة أجهزة الحكومة السعودية.

لنفرض أنك لا تهتم أيضاً بالقتل في سبيل حلمك بالسيطرة، ماذا سأتوقع منك مثلاً ؟ أن لا تستأجر قتلة وقناصين ليغتالوا أمراء أو مناهضين لك في السعودية ؟! طالما أنك ميكيافيلّي التوجه في سياسة الأخلاق "الغاية تبرر الوسيلة" فلا شك بأنك ستفعل أي شيء في سبيل تحقيق غايتك.

هذا ليس فكراً خرافياً، هذه حقيقة واقعة نراها كل يوم، وهي أيضاً موضوع منطقي مفروغ منه عبر التاريخ، يوجد للمؤامرة أقنومان لا يمكن لها أن تقوم بدونهما، الأقنوم الأول هو التفاعل الخفي أو "إنشاء مصفوفة" والأقنوم الثاني هو الرغبات الأخلاقية ومعاييرها وهي ما سيحدد أبعاد وطبيعة هذه المصفوفة.

الأقنوم الثالث هو القدرة والتكنولوجيا المستخدمة في المصفوفة، وهنا يقع الخلاف، مثلاً أنا أؤمن تماماً أن أمريكا تستخدم قوى ما ورائية لتحقيق سيرتها، بل أن قوتها الحقيقية تأتي من تلك القوى ، لأني أعلم من الكينياء، أن الصاروخ لكي يضربك ويؤثر فيك، يحتاج إلى أكثر من العامل المادي، هناك قوة تنفسية كونية تحرك الصاروخ إليك، عند قياسها موضوعياً تظهر على هيئة قانون فيزيائي رصين، لأن الحركة التكوينية الزمنية كانت رصينة، وليس لأن المادة بحد ذاتها عنصر ثابت.

إذن المؤامرة ليست موضوع نقاش، وليست علماً زائفاً، هي حقيقة واقعة تراها كل يوم، وهي أصل من أصول الحرب والفلسفة الميكيافيللية، ولكن موضوع النقاش هو عن التكنولوجيا المستخدمة في هذه المؤامرة، ولنقل إن هناك ثلاثة وسائل رئيسية في علم المؤامرات : العامل السلوكي التقليدي، وهو إرسال جاسوس مثلاً أو اختراق شبكة أو تجنيد عميل، والعامل الاقتصادي وهو تقنية الضغط الدولي عبر الحصار والعقوبات، وتقنية تفكيك الاقتصاد الداخلي عبر الديون والمستثمرين والعلاقات، والعامل النفسي وهو يتعلق بالإعلام والتحكم به وبتغيير نفوس الناس للتتواءم مع الأطروحات الخاصة بمصفوفة المؤامرة وتحقق النتائج المطلوبة من هذا العمل.

هناك قوة هائلة، أعمق بكثير من قوى أمريكا، وهذه القوة هي التي تتحكم بمصير الشعب الأمريكي وتحاول توجيهه كآلة وحشية لاستعباد كافة الشعوب … إنهم على استعداد أن يطعموك ويوفروا لك ما تطلبه من مال، مقابل أن تبيع إرادتك وحريتك، دائماً، وللأبد … هذا وعد الشيطان، وهذا وعد إبليس، لا يهمني إن كنت تؤمن بما أقول أم لا…

ربما تقول إن الشيطان هو محض القوانين الاحتمالية النطاقية التي تسمح بوجود الشر في الطبيعة والظواهر الموضوعية، وأبداً ليس ذلك خاطئاً، نعم الشيطان هو قوة الفساد في الكون ولكن، من قال أن هذه القوة ليست واعية أو حية ، أو ذات إدراك من نوع معين وإن لم يكن مركزياً كما البشر ؟

بكل الأحوال ومن الناحية الموضوعية الإجرائية، لا فرق بين دعوة أمريكا وبين دعوة الشيطان، ولذلك فهي تقع تحت حاكميته، بينما تتأرجح بقية الدول بين هذا وذاك، لا إلى هنالك ولا إلى هناك، ولكن الثابت والمهم، أن قوة ما ورائية عظمى هي التي تولد تاريخ النظام الأمريكي، سواء في أيامنا هذه أو في أيام ميكيافيلي، أو في أي وقت من الأوقات والعصور، وأي زمن وأي كوكب وأي عالم من العالمين، دائماً تستمد هذه الأنظمة الذكية قوتها من رغبة الظلام ومن ناموس الفساد في الكون، ومن التقييد في المادة والظلام…

العامل النفسي هو الأساس في كل هذا ، ودون العامل النفسي تقريباً لا قيمة لأي مؤامرة مهما تكون…

وبعد أن اتفقنا على هذه الأمور، يطرح السؤال نفسه أخيراً : لماذا تتآمر الولايات المتحدة للسيطرة على العالم ؟ ألا يكفيها ما حصدته من الحروب؟ ألا يكفيها ما حققته من استثمارات ؟ لماذا تريد أن يعبد العالم المادة ويبيع ضميره الحي أو يقتله ، وأن يؤمن بالواقع المادي وحده ويكفر بالله …

إن هذا السؤال يعود بنا إلى السؤال الفيصلي : ما الذي يميز نظام الولايات المتحدة عن بقية أنظمة العالم السياسية والأخلاقية ؟ ما يميز هذا النظام شيء واحد فقط ، إنه التعويل التام على الواقع المادي ليكون الواقع الأوحد للوجود البشري، وربط الناس بهذا الواقع، سواء من حيث تفسير آليات حدوث ظواهر الطبيعة والمجتمع، أو حتى من حيث "تأويل تلك الظواهر والبحث عن حقيقتها وعللها" ولذلك يقولون لك لا وجود للحقيقة المطلقة، أو أنت غير قادر على الوصول إليها، ومن ناحية أخرى يحاولون تغييب حتى تقييم الأعمال البشرية بقيم ملقة عن المادة وتنتمي إلى عالم الروح والمعرفة الذاتية المشتركة بين كيانات الوعي، ويحاولون ربطهم ببعضهم البعض وبالمعرفة المشتركة موضوعياً بينهم، ولإقصاء اي بعد للذات في هذه المسألة.

إذن نظام الولايات المتحدة، لا يسعى إلا ل"جعل المصالح المادية الواقعية" هي الفيصل في النزاع، والفيصل في الأخلاق، والفيصل في القانون وفي كل شيء تعرفه، إنها أنظمة لا مركزية تقوم على عبادة المادة وهذه غايتها الوحيدة، بمعنى آخر لا هدف لقوانين وسياسات الولايات المتحدة إلا عبادة المواد، لذلك غذا نظرت إلى الأمور نظرة الإنسان المادي المفرط في ماديته، فسيكون نظام الولايات المتحدة أفضل الأنظمة على الإطلاق، ولن تجد فيه أي نوع من أنواع الفساد لأنك تقيسه بمقاييس موضوعية خالصة.

أما في الأخلاقيات، يسقط معيار البرغماتية كحكم نهائي على الفعل، وتصبح النفعية المادية مجرد نوع من التشويش على الروح، ولأجل ذلك دعني أعلنها صراحة : أمريكا والروح … لا يلتقيان - إلا في مواقيت -.

تذكر أن لفظة أمريكا أشير بها إلى النظام لا إلى الشعوب، تماماً كما هو الحال حين استخدم أسماء الدول عادة…

هذا هو السبب في تآمر أمريكا ضد الأديان كلها، هي لا يهمها الإسلام بحد ذاته كدين تاريخي، ولا يهمها العرب فقط، هي ما يهمها هو إحباط اي حركة روحية أو دعوة إلى الله عز وجل … ويأبى إلا أن يتم نوره…

 

الهوامش

إرسال تعليق

0 تعليقات