Advertisement

Main Ad

مطرقة الحق : محاكمة النموذج المادي لفهم العالم فيزيائياً [2] | النماذج الأربعة الكبرى للفيزياء الموضوعية - نقد النماذج والتحقيق فيها | المنطلقات الوجودية للفيزياء

الفيزياء ، إنّها ذلك العلمُ الباحث في الواقع الغيابي – المفارق للإدراك – والمقيّد بقيد المحلية والتشخص – والمفارق للإرادة والعوالم الحُرّة - هذه القيود على الوجود تشكل موضوع علم الفيزياء، وبهذا التعريف تتحدد النماذِجُ المُمكنةُ لدراسة الفيزياء من مُنطلَقٍ واقعي ، تستمدُ منه المقدمات والأحكام ، ثم تكتشف بالتجريد علاقاتها ومُعادلاتها.

النموذج الشبحي للعالم 

"الساعة الشبحية \ بطليموس وفلاسفة الطبيعة الأوائل" :​

بالطبع ، وفق التأويل الذي يتم استخدامُهُ من قبل فيزياء عصرنا لفهم فيزياء عصور الطبيعيين الأوائل ، فإن مفاهيمهم عن الأشياء الطبيعية والمادية كانت "شبحية" حمالة للعديد من وجوه التأويل ، فلم تكُن ذات نفع ، الحقيقة بالطبع أنّها كانت "بسيطة" تتعلق بالمعاني الأوّلية للأشياء ، بالنسبة للإدراك الخالص ، وليس بالنسبة للواقع نفسه.

المشكلة هي عدم قدرة فهم البشرية حالياً لرموز تلك العلوم، فيحسب الإنسان المعاصر عندما يتم الحديث عن العناصر الأربعة والخمسة أنها تعني ما يراه في الطبيعة، وحين يقرأ الناس اليوم عن تعاليم اليونان يتعاملون مع مستوى تشفيرها بنفس طريقة تعاملهم مع لغتهم،.

الضوء بالنسبة للقدماء - بالنسبة للحديثين - كان شُعاعاً منبعثاً من العين والإدراك نحو الواقع يخرجه من حيز الظلام إلى حيز النور ، ولقد كان لهذا معاني غير موضوعية ، لذلك عندما تم التحقيق الموضوعي المستند إلى الواقع المحلي ، لم يكُن لذلك أي معنى ، إن معنى المفهوم يتوقف على مسلمات تأويله ، وعلى الواقع الذي ينتَسِبُ له.

وبما أنك الآن تدرُس "النماذج الفيزيائية الموضوعية" فسيتِمُّ اعتبار نموذج بطليموس نموذج الشبحية ، وليس نموذج التجريد الإدراكي. وفي هذا النموذج يتخذُ الكائن موضوع الدراسة أبعاداً مكانية وتحركات زمانية مُبهمة ، بحيثُ لا يُمكن اشتقاقُ مُعادلات رياضية لقياس قيمه الفيزيائية قياساً فيزيائياً محلياً ، ولا يمكن استخدامُهُ في صناعة الآلات والأدوات ووسائل خدمة البشرية. أي أنه سيغدو مجرّد اسم وتوصيفٍ فيزيائي بسيط للظواهر التي يتعلّقُ بها ، فيكون الضوء مقتضى زوال الظلام وكشفه ، وتكون النار عِلّة الإحراق المادي ، ويكون الجسمُ حامل الحركة في المكان.

النموذج القياسي العقلاني الشبحي 

"الساعة الميكانيكية\ نيوتن وكوبرنيكس" :​

حين استنتج نيوتن قوانين الحركة والجذب ، لم يفعَل ذلك في المُختبر والتجربة ، بل أسقط قوانيناً تجريدية عتيقة على عالم الفيزياء المحلي ، وذلك أمر معروف لكل محقق في سيرته ، فقانون الجذب هو ربط لقانون الذبذبة والتآثر في الكابالا الهرمسية مع واقعة الجذب المرصودة على الأرض، فكونه حدثاً محلياً فلابد من قوة تأثّ وتأثير ، ازدياد قوة جذب الأرض أمام جذب الأجسام تشير لطبيعة العوامل المتحكمة بهذه الظاهرة ، وبعد إقصاء الحجم والعناصر الكيميائية وبقية العوامل التي قد تكون هي السبب ، ومراقبة الظاهرة نفسها في الفلك ، واكتشاف أنها علاقة أساسية في عالم المادة بما هي مادة ، والبحث عن الصفة التجريدية التي تنطبقُ على كل المواد ، تم استنتاجُ قانون الجاذبية ، كمعادلة لعلاقة بين كُتلتين. ولأنّ وجود الكتلة مرتبط بوجود الكثافة ، التي تجعَلُ للكتلة علاقات داخلية تسهم بتكوين أثرها الخارجي ، استطاع اشتقاق مفهوم الجذب الثقالي التكاثفي ، وهذا ما حلَّ محل المفهوم الشبحي عن ظاهرة الجذب ، على أنها مجرد تأثير للأجسام الثقيلة ، وأنّ الأرض عامِلٌ مُطلق محايد خارجَ نطاق المعادلة.

وأما قوانين الحركة فهي ربط لقوانين السببية مع الحركة المحلية ، بل بالأحرى هي "ردٌّ" لحركة الواقع المحلي إلى أصلها الميتافيزيقي ، واستخدامُ ذلك الأصل لاستنتاج علاقة مفيدة قابلة للتجريب والاختبار. هذه حقيقة راسخة تاريخياً رغم أي إنكارٍ ممكن ، نيوتن كان قد درس الكابالا ، صحيح أنك لن تجد ذكره في كتب الفيزياء النظرية ، ولكنها الحقيقة ويمكنك البحث بنفسك.

ليس الخطأ في القانون ومعادلاته ، بل في القيم والمتجهات الفيزيائية التي أسقَطَ عليها القوانين :

لقد افترض نيوتن أنّ جاذبية الأرض للأجسام لا تتغيّر ، وجاذبية الكواكب لبعضها لا تتغير ، وأنّ قانون الجذب العام يعتمِدُ على قيمٍ مُطلَقة ، وليس ذلك فحسب ، بل أيضاٍ الواقِعُ الذي يحمل القانون على أحداثه ، هو أيضاً مطلق.

لم يكن نيوتن – وفق ما وصلنا عنه – ليُفكر بأنّ العالَم الواقعي مجرد محاكاة تآثرية لقوى عليا ، وأنّ الكواكب هي أيضاً كائناتٌ تآثرية في بنيانها ، وأنّ علاقة التآثُر بين طرفين تدخل فيها عوامل خارجية تعملُ على تشتت مسار الانزياح الحامل للتآثر ، فلا يكون الاتصالُ بين الطرفين مُستقيماً ومُطلَقاً ، ولأن العلم لم يتقدم ليقيس المستويات الأصغرية من الواقع الفيزيائي ، عالم الكموم والذرات ، والأكبرية "عالم الأفلاك والمجرات" فقد كانت قياساتُ نيوتن تبلي بلاءً ممتازاً في كل قياس وتجربة ، لأنها احتوت جزءً من الحقيقة.

وما كان ليفكّر بعِلة حملِ الجِسمِ لكتلته وخصائصه الفيزيائية ، وللقِوى والقيم والمتجهات ، ثمّ ردها إلى قانونِ التآثُر هي الأخرى ، والذي سيجعلُ كلّ شيء في الواقِعِ المادي نسبياً. لقد كان قراراً بالغَ الصعوبة ، سواء في اتخاذه أو مجرد الالتفاتِ لحقيقته ، أن يرى الكَونَ كله بكل مظاهره الطبيعية والفلكية ، مُجرّد آثار ... آثارٌ تحكي عن قِوى أعمق بكثير.

كُلُّ شيء على الأرض وفي المجرة ، يجبُ أن يتحرّك بتزامن آني ، لأنّ المتجه الزمني "المحلي" الذي تقعُ ضمنه الأحداث واحد. حركة كرة تتدحرج على الأرض ، وطائرٍ عملاق يحلق في كوكب بمجرة أُخرى ، كلاهُما يحدثان بنفس التوقيت المحلي ، لأنّ المتجه الزمني لكلا الحادثتين غير نسبي ، فالتآثر والحركة

عندما ترى القطار أمامك يتحرك بسرعة منتظمة ، تظنّ أنه يتحرك بنفس توقيت رصدك له ، لأنك تهمِل "البون الفيزيائي" بين زمن الرصد وزمن الحركة ، وعندما ترى الشمسَ تشرق في الصباح تحسبها كذلك لأنك تهمل الطريق الذي قطعته أشعتها لتصلك ، فالراصد يوحد بين "الكائن المرصود" والشعاع الذي أطلقه ذلك الكائن وأثر على الراصد ، ليس فقط توحيداً في كنه الشيء المرصود ، بل أيضاً في الواقعة المحلية له ، فيتوحّد الزمنين "زمن التأثير وزمن التأثّر" في الإحداثيات ، ليكوّنا زمناً وهمياً شبحياً يجعلك تظن أن ما تراه الآن يقع فعلياً الآن.

هذا التآثر المُطلَق ، يجعَلُ العالم المحلي يبدو كما هو عليه بالضبط ، بالنسبة لراصد محلي ، شعاعُ التآثُر أهمل القوى الأخرى التي تتدخل في عملية التوصيل ، وأهمل أيضاً "تكوين" طرفي التآثر من مجموعة قوى متداخلة تؤسس لواقعتهم المحلية ، والتي ستنعكس على طبيعة التآثر ، لقد ساوى بين القيم الفيزيائية وبين الكانات المحلية الحاملة لها ، فصار شعاع قوة الجذب ثابتاً لا يتغير ، مستقلاً عن العوامل الأخرى ، وصارت الكهرباء مقننة بإحكامٍ مطلق ، والصوت مقنناً بشكل مطلق ، وجيع المعادلات لابد أن تعطي مقادير ونتائج مُطلَقة ، وصار الفضاء خالياً من القوى تماماً إلا ضمن أشعة مستقيمة أو منتظمة.

التفاعلات والحركات والأحداث والكائنات ضمن ساعة الكون المحلية المغلقة :

أيَّ حدث يقع في العالم المحلي ، مهما كان نوعه ، يقعُ ضمن شبكَة زمكانية ، تصِلُ بين سبب الحَدَث ونتيجته. هذه الشبكة هي خلفية وقوع الحدث ، وبدونها لا يكون الحدث محلياً ، إن خلفية الحدث ، هي مصفوفة تعطيه أوصافه المحلية ، عند رصدِ واقعة محلية ، فهنالك علاقات أساسية تحددها ، تتعلق بالزمكان ، وتوصيفات فرعية تُسمى بالكميات المتجهة تنظّم علاقته مع الزمكان لتعطيها الواقعية في عالمه النسبي ... بعضُ علاقاته قوىً فيزيائية محضة ، ومن تفاعل القوى والزمكان تتولد الكمياتُ المتجهة ، والتي تتقيد ضمن الزمكان المحلي بسلوكيات تبدو ثابتة ، خارج هذا الإطار لا وجود للحدث والزمن في العالم المحلي ، ولا وجود للواقع الفيزيائي.

عبر هذا الإطار لابد أن تستدرك أن الكائن نفسهُ حدثٌ تفاعلي أيضاً ، فلا يجب أن تكون الأرض مطلقة القيم الفيزيائية ، ولا الشمس المحلية والكواكب ، والآلات وأجهزة الرصد والحواس والأجسام ... هذا ما تمّ إهماله في نموذج نيوتن فكان هو "التجريد القياسي الشبحي" الذي حقق التجريد والقياس ، ولم يلتفت لحقيقة التآثُر فكان التآثر شبحاً مفهومياً يحوي افتراض مطلقية المحل.

لقد درس نيوتن الكون بوصفِهِ مطلقاً معادلاً للمطلق الباطني ، وافترض مسبقاً أن لا شيء ضمن الكون نسبي أو جزئي ، هذا الافتراض يعني أن المتجهات الفيزيائية لا تتغير ، وبالتالي لا يجبُ أن تتغير الأحداث ، حركةُ القطار دائماً ستأخذ نفس المنحى عند قطعِ نفس المسافة بنفس السكة وبذل نفس مقدار الوقود. الإجراءات الفيزيائية التي تقعُ ضمن العالم المحلي الذي كان يراه الناس كل يوم ، تبدو ثابتة ومُطلَقة وغير عارضة لأي ارتياب إلا بالنسبة للمثاليين والروحانيين.

كان ذلك بفضلِ نقوص في التجريد ، فحين جرّد نيوتن الواقع المحلي الذي يرى فيه الجاذبية والحركة ، جرّدَ الواقعة المحلية المحدودة ، توصل للمفهوم الخاص بالحركة ، والخاص بالجاذبية ، الذي يصفُ ما يراهُ محلياً ضمن زمن القياسِ المحدود ، مع إهمال العلاقة الرابطة بين زمن الحدث وزمن القياس ، ثم حول ما وصل إليه لمعادلة رياضية.

أي أنه حوَّلَ مُعادلة حدثية الجاذبية على الأرض ضمن زمنٍ مرصودٍ محدد "وهي شيء جزئي مصداقي للكلي الذي يحكم الجذب" بما حوته من صفات رياضية وفيزيائية ، إلى "حقيقة الجاذبية وكُنهها الأخير" فالتصقت بالجاذبية قيم فيزيائية نسبية ما أنزَلَ الله بها من سلطان ، صار كل شيء يخضع لنفس ما تخضع له التفاحات التي تسقط من الشجرة على الأرض ، هذا الخطأ الفادح ، تكرر في جميع قوانين الفيزياء الأخرى بعد نيوتن ، وأدى لاستنتاج قوانين مصونية الطاقة والحركة بصيغها النيوتنية الصلبة.

"التطابق المحلي بين السبب\العلة والنتيجة\الأثر المرصود" :

هو نموذج فيزياء نيوتن ، حين يكون الكائن المحلي ليس فقط محتوىً ضمن محليته ، بل أيضاً تكونُ محليته ثابتةً بقيمها الأساسية التي تجعلها مستقلة عن باقي المحليات ، لأنها ليست مكونة من علاقات نسبية هي الأخرى برأيه ، ليست مجرد آثار ، فلا يمكن للجذب على الأرض أن يتأثر بالجذب على المشتري ، ولا يمكن أيضاً لجسمٍ على الأرض أن يغير مسارَ جسمٍ آخر بدون تأثير مباشرٍ منه ضد قوة جذب الأرض للجسم الثاني.

هذا التصور المُطلق للعالم المحلي ولد مشاكلاً ، لا زال العلم التجريبي والإنسان بكليته يعاني منها حتى هذا اليوم ، لأن الحدثية في عالم محلي مطلق ، تكون سائرة بشكل يبدأ من حدث محلي لينتهي بحدث محلي آخر ، دون حضور قوة أعلى من الواقع المحلي ، أي أن السبب محلي والنتيجة محلية أيضاً ، وكِلاهما معادلٌ لبعضهما البعض تماماً … وبما أن الأمر كذلك فلابد لحدثٍ معين على الأرض أو في أي مكان ، أن يسببه حدثٌ محلي وليس شيئاً آخر ، حدثٌ محدود زمكانياً وذو قيم محددة ينتج حدثاً آخر بعلاقاتٍ ثابتة لا تتغير. هذا المبدأ يسمى بالتناظر الطبوق "الطوبوغرافي" أو "1:1".

بنفس طريقة انعكاس أشعة الضوء على العدسات والمرايا ، تكون التأثيرات متفقة مع المنعكسات في القيم الفيزيائية ، ومختلفة في جهة العرض وأبعاده واستدارته ، هذه هي رؤية نيوتن للعالَم الفيزيائي ، ومن استطاع تحقيق قوانينه.

فإذن ، أنتَ أمام كون حتمي مُغلَق ، ليس فيه مجالٌ لأي حدث ، ساعة ميكانيكية لا تتغير أبداً مهما فعلت ، قاد تعميم هذا المبدأ على العلوم ، إلى نتائج خطرة ومدمرة ، قاد لوصف العقل وحتى الروح والوعي على أنها كائنات محلية حتمية ، فصار العقل دماغاً ، وصارت الجينات تحدد المصير ضمن احتمالات محدودة ، وانعكس ذلك على الصحة والطب ، وعلى الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس الذي بات مجرد دراسة للسلوك الخارجي للإنسان.

وهكذا رأت نظرية التطور أن الحياة البيولوجية كائنة محلية محدودة النطاق ، لابد أن يمكن تفسيرها أيضاً وفق الطوبوغرافيا ، وحتى هذه اللحظة التي تكتب بها الكلمات ، كل ما يعيق المعارف البشرية عن تقدمها يتعلق بمبدأ الطوبوغرافيا بشكل أساسي ، ومن ناحية أخرى كُلّ ما يوصَفُ بأنه علوم زائفة يستند توصيفه بشكل أساسي على هذا "الافتراض".

عانت نظرية نيوتن في الجاذبية من أخطاء كارثية في الأرصاد الفلكية والقياسات الدقيقة ، وكل قوانينه الأخرى احتوت نفسَ الثغرات ، لأنَّ مفاهيمه عن الحركة والزمن والقوة ، لم تراعي نسبية الواقع المحلي ، وتعاملت معه كأنه حقيقةٌ مطلقة ، صار العالم المادي علة كفايته من وجهة نظر الكثيرين ، وأصبحت طريقة البرهنة على وجود الله عز وجل ، محصورة بكيفية "خرق" نظام الساعة الميكانيكي الجبار ، سواء من حيث إنتاجها وصناعتها الأولى ، أو من حيثُ إرسال الأنبياء بمعجزات تكسرها.

ولكنّ الحقيقة دائماً تكون أبسط من المشكلة ، سلمت قوانين نيوتن مسبقاً بافتراضَ عُزلَة القيم المحلية الأساسية ، والمتجهات الفيزيائية الأساسية عن أي تأثيرٍ ممكن ، فكانت الجاذبية تامة كما هي ، ولم يخطر بباله أن هذه الجاذبية التي وصفها بمعادلاته ، تتعلّق بحدثية "التآثر" وأن التآثر يمُرُّ ببون غيبي بين طرفيه ، وهذا البون هو شبكة التآثرات الأخرى الممارسة على التآثر القائم بينهما ... وهذا ما ولّد النموذج العلمي الثاني.

النموذج التجريدي الإجرائي 

"الساعة التآثرية \ آنشتاين – ماكس بلانك – ماكسويل" :​

بعدَ اكتشافِ آينشتاين وماكس بلانك لنظام التآثُر النسبي الذي يحكُم سائر الإجرائيات المحلية ، ودمجه بقوانين الكهرباء والميكانيك ، أمكن انتقالُ الإنسانية إلى فجرٍ معرفي جديد يسمحُ بالتّعرّف على طرقٍ لقياس القوى الفيزيائية واختبارها وتصميم آلات تستخدمُ سلوك تلك القوى ضمن نطاق الهندسة الزمنية المحلية ، وهكذا وُلدَت سائرُ الاختراعات الكهربائية التي تمّ التعرف عليها حتى الآن ، وخدمت البشرية ، باستخدام تصاميم الكون الهندسية الربانية.

التآثر الحقيقي ضمن أبسط صوره ، أشبه ببحرٍ تعصف فيه القِوى

تتفاعل جهاتٌ لانهائية لتكوين خط التآثر الزمني بين منطلق مؤثر ومستقر متأثر ، وكذلك بالنسبة للكيان المؤثر والمتأثر فإنهما بواقعتهما المحلية ، ليس لهما بنيانٌ مادي سوى شبكة التآثر ، التي يُمكن تحويلها لمصفوفة

وبدأ عالَم الماكينة الميتة التي تغلق أفق كل شيء ، يضمحل رويداً رويداً ، لقد وجهت نظرية النسبية ضربات قاتلة لأي نموذج ميكانيكي مُغلَق للعالم ، حيث ردّته إلى علّته التآثرية ، وصار الحوار قائماً حول أصل التآثر ، هل يُمكنُ ردُّه للعالَم المحلي ، أم لابدّ من واقع فوق فيزيائي ينبع منه التآثر الذي تراه وترصده وتحسّه محلياً ... فتحَ هذا الباب نطاقاً جديداً لا حدود له للتأويل ، وأزال النموذج العلمي القديم إزالة نهائية ، مع أن تأثير الطوبوغرافيا والكون التوصيفي المُغلَق الذي لا يحتاجُ لعلّة غير محلية "أو غير إجرائية على الأقل" لا يزالُ حتى هذه اللحظة يفعلُ فعله بالعلماء والباحثين.

هكذا أصبح الوصف الوراثي قابلاً للتغيير ، أصبح قانون مصونية الطاقة قابلاً للتبديل ، أصبحت الحياة البيولوجية قابلة للنشأة من علل غير مادية ... في رؤية الباحث العلمي ، وازدهرت مجامعُ البحوث الروحية مرة أخرى بعد انقطاع طويل.

أصبح العالمُ مرناً وحيوياً ولم يعد تلك الصخرة الثقيلة الجافة التي أرهقت الباحثين في التوفيق بين التجارب ، كما أرهقت الباحثين عن الحق والداعين إليه ، الذين حاولوا كسر حاجز الكهنوت العلمي للقرن التاسع عشر ، الذي كمم أصوات الحق البشرية.

النموذج التجريدي البنيوي المحلي 

"الساعة العدمية \ هوكينغ – هايزنبرغ – اللاحتمية المُطلَقَة – تعدد الأكوان – المحاكاة" :​

لم يُعجب النموذج العلمي الجديد ، أغلب العاملين في المجال العلمي ، الذين بدؤوا البحثَ الدؤوب عن أصل التآثُر ، في محاولة لربطه بمفاهيم مادية جديدة من نوعٍ خاص ، فنشأت علوم الفيزياء النظرية الحديثة المتعلقة بميكانيك الكم والأوتار الفائقة ، والتي بمُجملها لم تقدّم أي خدمة حقيقية للبشرية ضمن الإطار الإجرائي العملي ، لأنها حصرَت نفسها بمحاولة ردّ العالَم المحلي ومراكزه التآثرية ، إلى علّة لا تتجاوزه ، وبعدَ اكتشافِ الكموم التي تظهرُ لحظة رصد القوى ، كتأثيرات يمكن قياسها نسبياً ولحظياً للقوى ، ضمن أبسط نطاق يمكن فيه للقوة أن تؤثر على الكون المنظور تأثيراً مرصوداً ، تعرفوا غلى هذه الكائنات الجديدة ، كشيء يقهرُ قيود المحليات ، ولا يخضعُ لها ، كأنه بوابةٌ لعالمٍ آخر.

لقد كانتِ الكموم متعلقة تماماً بطبيعة الرصد ، يمكنها أن تفعلَ ما تتخيله أياً كان ، بدأ من سلوكها المحلي ضمن سحابة الاحتمالات ، وانتهاءً بالتشابُك الكمومي والزمني الذي يقهر قيد الزمن المحلي كليةً ، شرط محاولة رصده على هذا النحو ، وليس على نحوٍ آخر.

أعطى هذا مجالين لتفسير الظواهر الكمية "مبدئياً" ، الأول يتعلّق بنموذج الكون الميكانيكي المُغلَق ، ولتجاوز مبدأ الطوبوغرافيا كان لابدّ من إيجاد بديل يجعُ بين انغلاق الكون وبين تفسير الظواهر اللامحلية ، وكان هذا البديل هو :

"الكون التوصيفي المُغلَق" الذي يتمّ التعامل فيه مع الظاهرة اللامحلية على أنها "وصفٌ رياضي للاحتالات المحلية" دون البحثِ عن كُنه الواقع اللامحلي ، وعلة الإجراءات الرياضية ، عدة مشاكل طرأت على تفسير اللاحتمية المُطلقة هذا ، حيث كان يمكن للكَهرَب أن ينتشرَ في الفضاء بنفس الميقات ، لأنّ تراكب الموجات الكهربية المنبعثة من الذرة بشكل لاحتمي يسمحُ لها باتخاذ أي صفة فيزيائية مُمكنة ، قامَ بورن بحل الموضوع رياضياً وفق نظرية تقوض الاحتمالات ، هذه النظرية تحاول أن تصف الواقع الذي ترصده دون أن يختلف مع الواقع الذي تُدركه ضمن عالم الكموم. ولكن مشاكل اللاحتمية في الكموم ، التي تتعلق بالواقع المحلي ، بقيت تتكاثر وتتكاثر وامتدت إلى سائر المجالات المعرفية ، ويوماً بعد يوم أصبح الوضعُ متفاقماً ، صارت أرض إليس العجائبية متحدة مع واقع الجامعات المرموقة والمدن المتحضرة الراقية المنضبطة ، إنهما واقعان منفصلان بالنسبة للرصد فقط ، ولكن بالنسبة للفيزياء التجريبية ، لا اختلافَ بينها.

أصبحت الطوبوغرافيا إجرائية واحتمالية ، سمح هذا بنظريات المحاكاة والأوتار الفائقة والأكوان المتعددة أن يصفوا نظاماً طبيعياً سرمدياً مغلقاً ، ليس فيه سوى تلك المادة التي غدت أخيراً مجرد احتمال ووصف وظيفي ، وسائر التهريج الذي يروج باسم العلم ...

ذلك لتعلَم ، أنّ ما تروجه ناسا شيء ، وأن قياسك للقيم المتعلقة بالتجارب الكهربائية ، شيءٌ آخر تماماً ، وأنّ ما يروج باسم العلم اليوم ليس علماً تجريبياً ، بل محاولة تأويل تختزلُ العِلل في الآثار ، عبر لبس الألفاظ اللغوية ببعضها البعض ، وأنّ هذا التأويل لا يقبل الاختبار الصريح المُباشر ، ليسَ من حيثُ قدرة الجهاز المحدودة فحسب ، بل من حيثُ أنه يفترض عن الكنوه والعلل افتراضات مادية وإجرائية ، وبما أنّ الكنوه والعلل منفصلة عن آثار التجارب والقياس ، فمن المستحيل ردها إلى العالَم المحلي والإجرائي إلا إن "استسلمت استسلاماً" لتلك الافتراضات "الافتراءات" ، واعلم بأنّ سلوك الواقع المحلي على هذا النحو الذي يخبرونك به ، ما كان ليروج لولا لمعان الطقوم ومدرجات المراكز البحثية وأطوال أبنيتها الشاهقة ، إن الصورة الإعلامية الطويلة العريضة التي يرونك إياها هي سلاحهُم الوحيد لإقناعك.

إرسال تعليق

0 تعليقات