Advertisement

Main Ad

رغبة العلم والحقيقة وسر الحياة والوجود || العلم ... والعلم الوضعي || هل العلم هو ترجمة دقيقة لكلمة "Science" ؟

والآن ... بعدَ وصولك مع البحث لهذه النقطة من زمنك المعرفي ، قد تسأل ... "لماذا تم طرح هذا النقد لأجهزة وأدواتِ العلم التجريبي الحديث ، هل هذا شيء واقعي ، أم "نوعٌ من الخيال" ... 

قبل كل سؤال وجواب ... وقبل دخولك للمراكز المجتمعية التي تُطلِق عليها ألفاظاً محددة. قبل الجامعة، ودخولك للمدرسة ... قبل تلقي حصة العلوم الأولى، وقبل تعلمك للأبجدية والتلفظ بالكلمات بعضلة اللسان، قبل أن تحيا حياتك الحالية ... وتولد في نطاق مجتمعك وضمن ما يسمح به ... كيف كُنت تتعامل مع الحياة ؟ لماذا أدخلتَ كلمة العلم وما تعنيه منها إلى حياتك ؟ أين ومتى بدأ ذلك ؟..

هل اكتشفت معنى العلم ، من الاختبار المُباشر للحياة، كعنصر من عناصرها الرئيسية، كقيمة من قيمها الحيوية ... كأساسٍ لا غنى عنه لحياتك ؟ أم ، أنك ... تعرضت لتدخل خارجي وجهك نحو تكوين أفكار محددة عن واقعك ، وأصبحت تسير في هذا الواقع وعبر تلك الأفكار ؟

ماذا كان يريد الإنسان من حياته قبل أن يدخل عليه المجتمع ويطوقه بنطاق السلطة البعلية، حاجباً عنه التلاقي مع فطرة الحياة ؟ هل كان يريد الشهادة التي يعترف بها مجتمعه ؟ وماذا ستعني هذه الشهادة في مجتمع آخر لا يعترف بها ؟ وماذا ستعني هذه الشهادة في فضاء كوكبي خالي من المجتمعات ...

هل قيمة الإنسان تنحصر بنظرة المجتمع له، وتقييمه لشخصه وذاته، ومن أين يأتي المجتمع بمثل هذه المعايير، ولما على الإنسان أن يعبد معايير مجتمعه ؟ أولا يرغب الإنسان بالخروج من نطاق مجتمعه الضيق الذي يأسره في بلد معين، وعلاقات معينة، وتفاصيل معينة ... أولا يرغب بحيازة التفوق على سلطات المجتمع وتحقيق حريته ضمن مجتمعه ... ألا يرغب بالخلاص ؟.....

إذن، لما عليه أن يطيع سلطة المجتمع العالمي، ما الذي يعيق المرء من تكوين لغته الخاصة، وعلومه الخاصة، ومعاييره الخاصة، وتحقيق الحرية المطلقة ، والعبور من قيود الواقع الذي أمامه ... إلى رحابة العالمين ؟......

لا تقل لي أنك لا ترغب بذلك، ولا تقل أن الأمر مستحيل ... إنك لم تجرب حتى، لقد تلقت الإنسانية تعليمات صارمة منذ صغرها ونعومة أظفارها، أن لا تفكر بالواقع إلا على هذا النحو، وأن تُهمل ما لا يتوافق مع النموذج القائم في العقل الجمعي لتفسير الواقع ، فصار كل ما يخرج عن هذا التفكير دجلاً وسحراً وخرافات وأساطير الأولين.

ولكن هل وافقت نفسك مسبقاً على المعايير التي تستخدمها في تقييم واقعك ؟ متى حدث أن وافقت ؟ عندما بلغت مبلغ العقلاء الحكماء، أم تم تطعيمك تلك المعتقدات منذ نعومة أظفارك وسنواتك الأولى على هذا الدرب الزمني العابر ... سائر البشر مطعمون بهذا النموذج الذي لا يفارق بالهم، البعض يخاف ...

يخاف من مواجهة الحقيقة التي قد تكون رهيبة وفائقة لقدرته على التحمل، فتراه يهرع إلى أقرب المسليات التي أمامه ليشغل بها عن وقته الثمين ... يخاف من نظرة المجتمع ، الذي فرض نفسه عليه ... يخاف من المجهول ، ومن تغيير الواقع أمامه ، يخشى أن تتمزق روابطه بهذا الواقع، كل ما بناه عبر السنين...

فيخسر رباط عنقه، ويخسر وظيفته وشهاداته، ومن يدري ماذا قد يخسر أيضاً، فكل ذلك بالنسبة له يبدو أهم من الحقيقة.. يترك الحقيقة والمطلق، ويترك معه الوجدان الحي، ليبيع نفسه بثمن بخس، كدمية للمجتمع، الذي يشتري رقبته ويربطها بقيد الوظيفة والاعتبارات، دون أن يسمح له بأخذ أي نفس من أنفاس الحرية.

تلك الحرية التي يحصرها المُجتمع بالتمرد على أنظمة الدولة والسياسة، عوضاً عن إنشاء نظام دولي جديد ... والحرية باختيار الهوية الجنسية والرغبة الجنسية وفق تصانيف المجتمع العالمي، عوضاً عن الحرية الحق، تلكم التحرر من ارتهان الجنس ضمن الجتمع... الحرية بالنقد الصحفي والإعلامي، وفق مقاييس المجتمع لهذا النقد، ووفق ما توفره الجريدة والمجلة، وما يوفره المال، عوض الحرية المُطلقة، التي لا تحتاج إلى مسايرة المدراء والحكام والظروف... حريتك، أن تتلقى التعليم الأكاديمي، لا أن تكتشف الحياة وتتلقى التنوير.

من الذي حدد القواعد والخوارزميات والأنظمة البرمجية للعلوم الطبيعية اليوم ... من الذي حدد صلاحياتها ومناهجها، من الذي حدد مجالات إمكاناتها وطرائق التحقيق فيها ... من الذي أحكم لها هذه الألفاظ اللغوية، وسماها بالعلوم ؟

إذا كنتَ شجاعاً كفاية لتقول لا لمجتمعك، ولا لمقاييس هذا المجتمع، التي لا برهان عليها ... وأن تقول لا لكل ما يخالف رغبتك الحق، وندا الحق إليك ... نداء الحياة لأجلك ... نداء النور على عينيك، وصوت الزمن الجارح في أذنك ... حينها يمكنك أن تكمل القراءة حقاً ، وإلا فلن تكملها ...

عندما كنت طفلاً ، هل كنت لا تعلَمُ أي شيء... هل كنت جاهلاً ؟ ما معنى أن تعلم وأن لا تعلم ... هل يقتصر الأمر على عملية تخزين وتنظيم البيانات التي يتم رصدها من دائرة المحيط الحسي ؟

ما هو العلم ...

ذلك الجواب العظيم، يتوقف على مقصدك ... أتريد أن تعلم ما هو العلم حقاً، كحالة وجدانية لها اسم يرمز لها، أم كظاهرة اجتماعية لها منظومة من الأسماء التي ترمز للعلاقات


نوعان من التفاعل بين الذات والوجود ...​


ليست الطريقة الصحيحة بالنسبة لي أن أثبت لك كلامي بدراسة علمية موثقة، أو بتجربة ما، أو بإثبات من أي نوع، لأن العلم الذي أحدثك عنه الآن هو علمٌ ليس كالذي يدرسونه ويخترعون عبره الاختراعات والأدوية والتقنيات النفسية ... لأن دعوتي هذه ليست مجرد تعديل على نموذج المعرفة المسمى بالعلوم، القائم اليوم أو محاولة لخلق نموذج جديد أكثر كفاءة للتعامل مع هذا الواقع، لأنني وفي قرارة نفسي، لا أرى أملاً من البحث عن طريقة للتكيف فيها مع هذا الواقع، ولا أرى جدوى أصلاً من شيء في هذا الواقع.

حاول التركيز وأوقد شرارة انتباهك، وانظر حولك لترى هل هنالك أي شيء يستحق أن تبقى لأجله على هذه الأرض، وضمن هذا العالَم المادي بشكله الحالي ؟ لماذا أنت مستمر بالتفاعل الزمني مع واقع لا تريده ولا ترغب بالبقاء فيه إلى الأبد ؟

حاول النظر إلى المال والزينة والمشتهيات التي تعوم في فوضى واقعك الكوني، وأخبرني ... هل هي جميلة كفاية لتقضي كل حياتك معها ؟ وأن لا تبحث عن طريقة للخروج من واقعك الذي يحدد نطاق حياتك الزمني ؟ البعض يقول أن العمر قصير، وهذا ما يجعلك الواقع تفكر به باستمرار ، عمرك القصير وقدراتك المحدودة تمنعانك من الخروج من سجنك الحالي ... البعض يقول أن هنالك إمكانية أن تستخدم هذا الواقع كأرض تبني عليها آلتك الزمنية، فتصبح نوعاً من الإنسان الآلة، الذي يتمكن من البقاء في الكون الفيزيائي لأجل غير مسمى، باستخدام قوانين الفيزياء التي يعتقدون بها... وحتى ولو بقيت في هذا الكون لأجل غير مسمى، وعُمّرت آلاف السنين، هل هو بمزحزحك من عذاب الزمن شيئاً ... ستمل في النهاية من تكرار الأحداث التي لا تنتهي بواقع زمني محدود النطاق، فمهما تعددت الكواكب والنجوم والكائنات الحية والنفوس، فكلها تنتمي لنفس التصنيف ، هذا الزمن الذي أمامك، الغائب عن وجدانك، الحاضر إلى حواسك، الحاضر إلى إدراكك كصور حسية متحركة وتفاعلية، لا تملك دليلاً عليها ولا على وجودها من دون الإحساس الوجداني الصادق ...

إنك لا تستطيع إثبات شيء ولو استغرقت ما استغرقت، من كتب الفلاسفة والباحثين الأكاديميين، حتى أبسط الأشياء، شكل يدك التي تكتب بها، وشكل غرفتك التي تقطنها، وشكل الزمن الذي تمر به، تستطيع إثباته فقط إذا أثبتت الواقع الذي ينتمي له، واقعك المحسوس، الذي تنتمي له الجامعات والمعاهد أيضاً، وفي غياب هذا الواقع، وأن يكون محاكاة حاسوبية أو سحرية مثلاً، جعلتك تنسى الواقع الحقيقي وأدخلتك في هذا العالم بمفاهيمه ومصطلحاته وأشكاله وماهياته، فإن كل ما يبنى عليه بعد ذلك، سينهار ، ولن يحدث له يقين أبداً.

فإذا أردت الحقيقة المطلقة فعلاً، وليس مجرد اللهو في الزمن... فلا تحكُم أي حكم على الأشياء والكائنات التي تصادفها بزمنك، حتى ولو صادقتها، فهي في النهاية غائبة عنك، ربما يكون هذا صادماً، وربما مفزعاً ومزعجاً، ولكنها الحقيقة التي لا مجال للشك فيها، أنك لا تستطيع إثبات وجود أستاذك في الجامعة أكثر مما تستطيع أليس إثبات وجود الأرنب الذي تراه في الحلم اثناء محاولتها وهي نائمة.

نعم تستطيع أن تثبت كروية الأرض أو تسطحها، أو نظرية التطور أو التعديل الجيني، أو كل ما قيل في فيزياء الكم عن طريق التجريب المستمر، ولكن هل تسمي هذا برهاناً ... أليس أيضاً رأت الأرنب بعينيها كما رأيت صور الأرض بعينيك، وسمعت صوته كسماعك لصوت المحاضرين في الجامعة، بل وكان من الممكن أن تستمر في ذلك ... كان من الممكن أن تستمر في التجريب والاشتقاق الرياضي لأجل غير مسمى في ذلك العالم، وتستنتج قوانين وعلوماً لانهائية، وفي لحظة واحدة .... تستيقظ لترى شمس الحقيقة... ويتبدد كل ذلك الوهم العظيم.

كل إثبات يعتمد على فرضية مسبقة، يزول بزوال تلك الفرضية من أشعة الإدراك والوعي، والواقع الفيزيائي أمامك هو أيضاً ، فرضية مسبقة ... تماماً كما كان واقع إليس فرضية مسبقة.

العلم قبل كل شيء هو تفاعُل بين الذات المُدركة والإدراك من جهة وبين موضوع الإدراك من الجهة الثانية ، هذا الأصل في كل ما تعلمه وبغض النظر عن ما تعلمه ، فالعلم هو حالة شعورية وجدانية تنتقل فيها الموضوعات إلى إدراك الذات فتصبح معلومات ، ستقول لي من الذي قرر هذا التعريف ومن أي جامعة ، أرد عليك : ومن الذي خول الجامعة أصلاً لكي تقرر ما هو العلم ؟ ما العلاقة بينك وبين الجامعة ؟ ما العلاقة بينك وبين العالم الخارجي ؟ هل تدرك العالم بعينك ووعيك أم بعين ووعي الجامعات ومراكز البحث العلمي ؟ …

إنك وقبل كل شيء أيها الإنسان ... أنت ذاتك ولست الآخرين ، وجدانٌ حي يتفاعل مع الوجود ، ربما تأسرك مواقع معينة من الزمن الذي تشهده ، كالجامعة أو الجامع ، ولن يؤثر ذلك على الحقيقة أبداً ، حقيقة أن العلم يسبق المعلومات و ( بغض النظر عن مصدرها واعتمادها ). أتريد تعريفاً اسمياً للعلم ؟ أنه كذا وكذا بشرط كذا وكذا ؟ أم تريد اختباراً مباشراً لـحالة العلم ، ومن خلال تلك الحالة وذاك الاختبار ترى ما الصحيحُ بين التعريفات …

العِلم الذي ينفع ، لا يجعلك تغرق طوال حياتك دراسة كتب ونظريات … ليس لها وجود حقيقي تختبره علمياً ، بوجدانك وبشعورك المُباشر.

كما تعلم ، يقوم العلم بالأصل على ثلاثة مبادئ رئيسية هي الوجود المُدرَك الذي تعلمه ، والذات التي تدرك ذلك الوجود ( وهي ذاتك ) والتفاعل الذي ينشأ بينهما. من خلال هذا المفهوم الصاددق عن العلم ، يمكنك تصنيف شجرة العلوم ، لأن الذات تغدو هي العالِم ، والوجود هو موضوع العلم وتشعباته ومسلماته البحثية وسائر الحقائق والافتراضات الأولية التي يقوم عليها ، وسائر الحقائق والافتراضات الثانوية التي تدركها عبر الأوليات العلمية.

_________

العلم والإدراك

ما الذي سيفيدُك كقارئ بشري يعيش في هذا الكوكب ، عملياً وفي حياتك ، أن تعلَم حدود قدرة الجهاز وقدرة التجريب العلمي المحلي والإجرائي ... وحقيقة واقعية العالم المرصود ؟ ما الذي يمكن أن يتحقق عندما ترى الارتياب يتسلل لكلِّ تلك العوالم والكائنات ، سوى مزيداً من الشك والقلق ... وما هو البديل ... الذي يغنيك عن هذا الحال ... أين البُوصِلة ؟

قبلَ بلوغك إجابات هذه الأسئلة ، لابد لك لتعلم ، أنّ تشتُت أُفُق أفكارك وتصورات ذهنك بعالم المعارف الدينية والعلمية والباطنية ، سيجعَلُك دائم الانشغال في أحداثها ، أخبارها ، دراساتها ، وتفاعلها الزمني معك. سيجعَلُك تنفعلُ من أتفه الأسباب التي تتعلق بها ، وتتعلق بك ، وتتعلق بأشخاص ضمنها وأماكن ، وأحداث، وذكريات ، وكائنات ... إنه ضباب يشتت إدراكك الصافي ، تماماً كشؤون الحياة الأخرى ، تماماً ، كوابل من الدبابير الطائفة حولك، تمنعُك من التنفس ، تمنعُك من الحياة.

إنّ إفراغُ الكوب من الأوساخ وإزالة غطائه سابِق لملئه بماء جديد ، تصفية المرايا وزوال وسخ شاشتها هو مُقتضى عكسِها للنور ، ومهما حاولتَ رؤية النور ، عبر مرايا مغطاة بطبقة وحل ، فيها دوامات وتعاريج متحركة ولانهائية ، لن تستطيع ، سترى الوحلَ فقط ... سترى الوحل فقط وعلى قدر ما تزيله من تلك الأوساخ التي تسمى معرفة ، يمكنك أن ترى النور.

ربما تلك المعرفة تسهل حياتك الدنيوية ، ولكن ، أين معنى هذه الحياة التي تبدأ من نقطة وتنتهي بأخرى ، دون أن تتطلع للعالمين وعبرة الزمان ، دون أن تشتعل نار نورك الوجداني المقدس لطلب الحق المُطلق ، ووجه الله ربك والجمال ... دون البحث عن القيم التي بها تكون وبغيرها لا تكون ، لا تكون سوى رقم ومعادلة ، وجسد حامل لها ، وتبريرات منطقية تتصارع باستمرار.

_________

العلم ... والعلم الوضعي الطبيعي "Science"

لقد كان من أعصى ما غطى مرايا البشر بأسرهم ، نسيجُ عنكبوتٍ يسمى "العلم\science". هذا العلم ، مجرد اسم فضفاض لامِع ، لمستنقع فخاخ لغوية ، تربطُ الواقع بالنموذج التجريبي ، وتربط النموذج التجريبي بالنموذج الوضعي ، وتربط النماذج بالسلطة ، وتربطُ السلطة بعناصرها الإعلامية ، ومن تلكَ العناصر يسوقون ما يشاؤون ... فيغدو ما تُخرجه ناسا ، مُعادلاً لغوياً لما يراه المرء أثناء التجريب النظيف المُباشر ، وكأن أخبار سلطة ناسا ، وواقعية معادلات الكهرباء القياسية ، هما سواءٌ في معيار الواقعية ، بل إن رفضك لفرضيات ضعيفة جداً أمام أبسط أنواع التحقيق ، كفرضية تلازم السعادة الوجدانية ، مع المُفرزات الكيميائية الدماغية وأن تلك المفرزات جوهر حقيقة السعادة ، يغدو كرفضِك للتجارُب التي تبرهن قوانين الحركة ، أو كرفضك لواقعة تفاعل الأوكسيجين والهيدروجين ، مع أن الفرضية الأولى استخدمت مناهِج وأدوات وقياسات ، تختلِفُ جذرياً عن الواقعة الثانية. ولكن ، تمّ إلصاق الفرضية المزيفة بالواقعة التجريبية عبر اعتبارهما "لغوياً" نتاج منهجٍ واحد ، وعِلمٍ واحد ، وطريق معرفي واحد.

هكذا تمّ جمعُ أهمّ وقائع التجريب النظيف ، وأكثر الفرضيات بُعداً عن الواقع التجريبي ، ضمن كيانٍ ضام يسمى "العلم التجريبي". وكُلُّ ما يجمع شتات شملهم هو التأويل الحالي الذي يُستخدَم لعرض نتائج وتأويلات التجارب والفرضيات المتعلقة بها وكأنها تأتي بطريقة واحدة وتشير لواقعٍ واحد ، وكأنها جميعاً تنبعثُ من نفس المصدر ، ولذلك كان لابُدَّ من التحقيق العلمي والفلسفي العرفاني في الأمر :

من هذا المُنطلق يستدعي الأمر إعادة تصفية مرايا الواقع ، وبشكلٍ طارئ ، ورؤية التجريب بعين الإدراك الباصِرة ، لكشف منهجه المناسب ، وكشف التلاعُب الممارس والاستحواذ على العقول ... فكانت أبواب الكِتاب الثلاثة الأولى جميعاً هي "رَدّاً فينومينولوجياً \ إدراكياً" للمعرفة التجريبية إلى صحيحِ عبارتها وتمام كاشفتها الإدراكية النقية.

لا ينبغي أن تفهَم من ذلك أيها القارئ ، أنّ التجريب شيء خاطئ أو مُزيف ، وأن الواقع الذي تُدرِكُه مجرد حلم ، ولكن ، ما يجب أن تُدركه تماماً أن الواقع الذي تحسه وأحكامك عليه يجبُ أن ترتَدَّ جميعها نحو المُنطَلق الذي يصلُ بينك وبين أحكامك من جهة ، وبين الواقع الذي تحكم عليه وتتفكر فيه من جهة أُخرى ، ولكي أوجز لك كُلّ ما قدمته حتى الآن - استعداداً لمرحلَةٍ جديدة - فتبصر :

قوة كلمة العلم في اللغة العربية كسب نفسها بالتوارث من جيل إلى جيل من اصطلاح القرآن الكريم، فصارت رنتها شديدة الوقع على مسامع الناس، واستغل المترجمون ذلك أتم استغلال و(قلبوا عنوة وزوراً وبهتاناً) كلمة Science على أنها معادل للعلم ، دعنا معاً نكتشف الحقيقة الآن :

هذا تعريف "الساينس" من الموسوعة البريطانية

:

science, any system of knowledge that is concerned with the physical world and its phenomena and that entails unbiased observations and systematic experimentation. In general, a science involves a pursuit of knowledge covering general truths or the operations of fundamental laws.

الساينس, أي منظومة معرفة تركز على العالم المادي وظاهره وتتلازم مع ملاحظات غير متحيزة واختبار تجريبي متمنهج بأصول. في العموم، تتضمن الساينس السعي المعرفي نحو قولبة وتفسير الوقائع العامة أو الأحداث الخاصة بالنواميس الأساسية للكون.

ترجمت كلمة كوفيرنغ بالقولبة والتفسير وهذا الصحيح لأن التغطية تكون للفجوات وهم يريدون القول إنه يوجد نقوص في ظاهر العالم وأحداثه وبالتالي يلجأ الساينس لتغطية هذا النقوص، كذلك لاوز هنا لا تعني قوانين بل نواميس لأن القانون هو صياغة بشرية أما الناموس فهو موجود بعمق الكون ويسعى البشر لتمثيله رياضياً أو منطقياً في "قانون".

إن Science لا تهتم أصلاً بوجود السحر ، ولا تهتم ولا حتى تبحث بطبيعة ووجود العقل ، ولا الوعي ، ولا القضايا المنطقية ولا الرياضية ، ولا تهتم ولا تبحث لا بحقائق الأمور ، ولا بعلل الأحداث … وكل شيء يدخل في نطاق الScience يتجرد مباشرة إلا من كونه "ظاهرة مادية قابلة للاستقراء والإحصاء من حيث وجودها، قابلة للتفسير بظاهرة مادية استقرائية أخرى من حيث علتها"

لذلك، العلوم الزائفة شيء والزائف ضمن الScience شيء آخر … العلوم الزائفة هي ما انطوت على افتراضات وهمية حول حقيقة ثبتت تماماً ، القضايا الزائفة في الساينس هي فقط … تلك القضايا المتعلقة بالعلم الطبيعي ، التي لم تراعي قابلية الاستقراء والقياس التجريبي كمعيار نهائي للمعرفة حول موضوعات الطبيعة. فكلمة زائف = غير قابل للقياس والإحصاء والتجريب ، بغض النظر عن صحته من عدمها ، وعن صدقه كحكم من عدمه.

هناك فرق كبير بين أن تقول : هذه الظاهرة ثابتة أو غير ثابتة (أو لا يمكن التحقق منها) وفق شروط الساينس ، وبين أن تقول : هذه الظاهرة حقيقة مطلقة أو عدم وجودها حقيقة مطلقة.

وهناك فرق كبير جداً بين قولك : هذه النظرية مدعمة بأدلة أو غير مدعمة (أو لا يمكن التحقيق فيها) وفق شروط السيانس ، وبين أن تقول : هذه النظرية حقيقة علمية مُطلقة أو أنها زيف مُطلق وخرافة نهائياً.

أنتم أيها الماديون تصفون المتدينين بالأصولية لأنهم لديهم عقائد ثابتة لا تزحزح عنها ، ولكنكم تفعلون نفس الشيء ويا ريت بموضوع محرز أو له جماليات ووجدانيات وإنما بموضوع جاف تماماً ولا يستحق حتى الاكتراث ، إلا من قبل الناقمين على الحياة.

وإلا فمن أين أتوا بأن Science هي العلم "الحقيقي" كما تصفون ؟!

ومن أين عمموها وعمموا معاييرها لتشمل كامل الوجود البشري والكوني والذاتي والموضوعي ، فيصبح الساينس ديناً شمولياً ويحكم على كافة مجالات الحياة ؟ تلك المجالات التي لا يدرسها أصلاً مثل الوعي والعقل والتجريد والنفس ، والمنطق والميتافيزيقا والعوالم الأخرى … إنكم بقولكم هذا تقولون : [ هذه الموضوعات ليس لها وجود وكفى ! لا تناقشونا ! هذه الموضوعات العلمية زائفة لأنه ليس لها وجود مادي وبالتالي لا يبحث فيها الساينس من حيث تكون الكائنات فيها هي ظاهرة للإدراك الموضوعي لجميع المراقبين ! لذلك هي غير حقيقية ، ومن حيث هي علة تجريدية فالساينس لا يعترف بأي سبب غير مادي للظاهرة الموضوعية ، مهما كانت الظاهرة أولية ، وحتى لو شملت الوجود الموضوعي بحد ذاته.

ومن أين أصلاً وصلوا لمعنى الساينس ومن الذي وضع شروطه ؟ ولماذا يعممون هذه الشروط لتكون قاعدة انثروبولوجية للبشرية جمعاء تنص على أنه لا وجود للحقيقة المطلقة ولا وجود إلا للظاهر الموضوعي ، والذي هو "نظام قائم بذاته" لا يحتاج إلى علل في انوجاده ، وفوق كل هذا يكون الظاهر حكماً على ما وراءه ، وعلى الدين ، وعلى الفن والحق والجمال في رؤيتكم هذه القاصرة أكثر من رؤية المتطرفين أنفسهم.

مجال الدين هو الحقيقة المطلقة ، مجال الساينس هو الافتراضات والتنظيرات الظنية ، عن الظواهر الظنية ، وفق شروط وأحكام وقواعد تم التواضع عليها وتقييد القياس بها ، فهو قياس منطقي مادته هي الأجسام والآثار الفيزيائية الظاهرة، ونوعه الاستقراء أو السير من المقدمة الإحصائية إلى التعميم الترجيحي.


إرسال تعليق

0 تعليقات