Advertisement

Main Ad

أشجار عائلات العلوم الذاتية والموضوعية

بحوث الكينياء ... تدرس الزمن بشكل غير فيزيائي، إنها لا تعتمد على أن الفيزياء هي أصل العالم، وتراها مجرد نوع واحد من أنواع العوالم التي لا تنتهي، كما أن الوجود الفيزيائي داخلياً، ليس فيزيائياً على الإطلاق، والنتاج الخارجي لهذا الوجود الفيزيائي هو ما "يظهر" من حقيقته الداخلية، بالنسبة لأجهزة الاستقبال الجسدية الأرضية …

البحوث التي تعتمد على هذه الرؤية كانت شائعة في التاريخ.

من أول الوثائق الخاصة بعلم الزمن تلك الكتب التي تنتمي لدائرة الهرمسية، وبعض التعاليم الخاصة بالهند القديمة وباليونان.

في العصور القديمة كان أهم أهداف الفلاسفة والخيميائيين من دراساتهم للعالم هو فهم الزمن وتكوينية العالم وأساليب العبور، ,يوجد ما لا ينتهي من السجلات حول هذا الموضوع.

كتب كل من لايبنتز ، بيركلي، فختة، ِشيلينج ، هيجل، هنري بيرغسون والفينومينولوجيين بحوثاً مطولة عن علوم تدرس الزمن، لكن تلك العلوم إدراكية، تنطلق من التجربة الذاتية Introspection مقابل التجربة الموضوعية Empiricism، طبعاً اليوم يتم نشر المادية على نطاق واسع على أنها هي الحكم في كافة نواحي حياتك ولذلك تبدو عبارة مثل "زمن غير فيزيائي" عبارة غير مألوفة في الأحاديث العصرية التي اعتدت التعامل معها.

هنا يجدر بي الإضاءة لك لكي تدرك ما الذي أقصده من البحث غير الفيزيائي في الزمن ومن الناحية المعرفية، فثمة منهجين معرفيين متناقضين لدراسة العالم :

  • الإمبريقية : هي الفلسفة البحثية التي تؤسس المعرفة عن العالم المدرك بناء على رصده بالحواس المادية للجميع، هذا الرصد يضع العالم في إطار موضوعي تنمحي فيه الأبعاد الذاتية، والذي يمكن للجميع الإشارة إلى بعضهم البعض عن الأمور والموضوعات التي فيه، وحين تكون الإمبريقية في أوجها تقول أن الإطار الموضوعي للعالم هو الشيء الوحيد الجدير بالدراسة والانتباه، والعلوم المؤسسة على هذه الفلسفة هي التي تسمى ب"Sciene".
  • الذاتية : هي منهج البحث الذي يبدأ بالقول أن إدراك العالم هو بالأصل اتصال الذات به، ومع مجموع هذه الاتصالات يشكل الرؤية الموضوعية للعالم، ولكن إدراكك للعالم الخارجي يشمل إدراك مجموعة المراقبين، فيرتد المنهج الموضوعي إلى أن يكون معياراً تقرره ذاتك أولاً، ولذلك لابد من رفع المعايير الذاتية على المعايير الموضوعية وتقييم المعرفة الموضوعية بناءً على الذاتية وليس العكس. لو لم تتعرف "أنت" ذاتياً على قيمة الاتفاق بين المراقبين لما كنت لتصدقه، والمعرفة التي نقصد إلى تحصيلها إنما هي معرفتك أنت كذات، للعالم ولمراقبيه كموضوع.الإدراك لا ينقل إليك فقط صور الحواس المادية، لا يوجد ما يثبت ذلك حتى تختبر أنت بنفسك، وحتى الصور المادية لا تشترط أن تكون موضوعاً يلتفت إليه الجميع لكي تكون معرفة صادقة وحقيقية، بل إن هذا الشرط غير مهم أبداً خارج "الواقع الذي يشترك فيه الجميع"، والعلوم التي تنشأ من الرؤية الذاتية تسمى ب"الفينومينولوجيات Phenomenology". 
وعيشك الحالي ضمن هذا الواقع الموضوعي وكونك بشرياً وترغب بالاتصال مع كائنات بشرية أخرى هو ما يحتم عليك وعلى العناصر البشرية في البيئة أن تتفاهم، ولذلك - وفق لأجل ذلك - يكون مهماً للناس في الوجود المادي أن ترى واقعيته من النظرة الموضوعية وتستخدمها. تذكر أن هذا لا يجعل النظرة الموضوعية معياراً للحقيقة ولكنه ضروري للتفاهم بين الناس، أما العلوم الذاتية فهي تبحث عن الحقيقة وليس عن الانتفاع - وهذا جوهر الخلاف - .

العلوم التي يمكن دراستها بالطريقة الإمبريقية هي الفيزياء، والبيولوجيا، والكيمياء، والأسترونومي ونحوها، وكافة معايير المنهج العلمي تتحدث بالذات عن مثل هذه العلوم، وهي تنقسم إلى :

  • علوم إجرائية : مثل الكهرومغناطيسية والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء، وهي علوم يمكن الانتفاع بها مادياً، لأنها لا تحاول البحث عن الحقائق ما وراء المادة أو اختزال الحقيقة بالواقع الموضوعي، ولذلك تبقى اهتماماتها ضمن الواقع الموضوعي نفسه.
  • علوم تجريدية : أو نظرية كما يقولون، مثل الفيزياء النظرية، مثل نظرية التطور وتاريخ الأنواع وشجرة عائلتها، مثل فلسفة العقل، أو نظريات الوتر الفائق وهي علوم لا ينتفع الناس بها مادياً شيئاً، لأنها تحاول البحث عن الحقيقة من خلال اختزالها بالواقع الموضوعي، فلا هي أوصلتك إلى الحقيقة ولا هي نفعتك في واقعك. هي علوم موجهة لمحي الرؤية الذاتية حتى من معايير الحكم على المعرفة مما يجعل الإنسان عنصراً جزئياً في المجتمع المادي ويأخذ كامل قيمته منه وليس أكثر من هذا، ولعلك الآن تدرك خطورة ذلك.

العلوم النظرية هي مجرد محاولة لتعميم الإمبريقية على كل نواحي الحياة، مثل علم التطور البيولوجي، كما تصوره الداروينية الحديثة، هو علم لا فائدة منه في واقعك الحالي، فلن تستفيد شيئاً بمعرفة تاريخك البيولوجي بين الأنواع الأخرى الانتقالية ومن هم أسلاف أسلافك منذ ملايين السنين، ولكن الحروب بين المؤيدين لعبادة الإمبريقي والمعارضين لها تستهدف دائماً موضوعات كهذا …

وإنك لا تستفيد شيئاً إذا علمت بوجود أوتار فائقة، أو أكوان متعددة، أو أبعاد مكانية تتجاوز الثلاثة أبعاد وأنت أصلاً تؤمن أن واقعك معزول عن تلك الاشياء وعن اختبارها والانتفاع منها، وكذلك لن تستفيد شيئاً من معرفة رأي الفيزياء النظرية حول أصل الكون أو السبب في انوجاده، أو ما هو تعريف الوجود حسب الفيزياء، أو ما تعريف العدم المطلق حسب الفيزياء إذا كانت نهاية كيانك التي ترجوها تقع في داخل مادة الكون.

العلوم الذاتية كذلك لها تجليات نظرية وعملية :

  • العلوم الإدراكية الوجودية : البحث عن الحقيقة المطلقة على نحو غير مشروط، وأصلاً إنك لا تبحث عن الحقيقة وأنت تشترط عليها مسبقاً أن تكون موضوعية، أنت فقط تسمي ما تبحث عنه حقيقة ولكن الموضوعيات نفسها ليست ثابتة كشيء مطلق، ولا يكون البحث عن الحقيقة إلا غير مشروط، ولذلك تعود إلى الإدراك لتفهم منه ما هي وسائل المعرفة أصلاً وما تقييم كل منها، المعرفة الحسية هي نوع واحد، وعندما تكون موضوعية أيضاً فهي عنصر جزئي جداً من الإدراك، لكن ماذا عن الطرائق الإدراكية اللاموضوعية واللامادية ؟ هنا يصبح البحث "فينومينولوجياً" ويخرج عن طائفة الشرط والتقييد.
  • العلوم الإدراكية الوظيفية والإجرائية : مثل سائر العلوم التي تستفيد من المعطيات الإدراكية العليا لتغيير الواقع الفيزيائي الأدنى منها، فأنت حين تعرف ما هو الواقع الفيزيائي أصلاً، وليس فقط تتعامل مع موضوعاته المتفرقة وتقارن بينها، فإنك تراه بعين الإدراك المجرد … هذا يعطيك فرصة حقيقية لمعرفة قوانين نشأته ورق التعامل معه خارجه هو، وبالنسبة لنفس هذا الإدراك الدقيق. من هذه العلوم مثلاً : فيزياء نيكولا تيسلا، التنويم المغناطيسي غير اللفظي، الشفاء بقوة النفس والعقل، التحكم بالواقع الموضوعي بقوة النفس والعقل والروح، ووصلاً إلى عبور الزمن ... حيوية الوجود تسمح لك باختبار عوالم لا حدود لعددها ولا لنوعها ، وكلها تستطيع التأثير على عالمك لأنها الحلقة الأخيرة من منظومة العالمين - التي نحيا ضمنها حالياً.

لكن اليوم يتم التركيز أكثر على الرؤية الإمبريقية إعلامياً ، وتشتيت الانتباه عن أي شخص يدعو إلى الرؤية الذاتية، بل ويتم منع الحديث في الأوساط الأكاديمية عن الرؤية الذاتية وشتم أصحابها بأسوء ما يمكن ، ويتم منعها من الانتشار في دور المكتبات، وفي الجامعات، وفي المؤسسات المختلفة، ومنع أي تحقيق جدي في أي استفادة ممكنة لها، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي.

وهناك عشرات آلاف الحسابات العربية، وعشرات ملايين العالمية، التي يكون همها الوحيد في هذه الحياة هو السخرية من الرؤية الذاتية، ومن فلسفاتها، وعلومها، وأخلاقياتها على حد سواء.

لأن إدراك المرء لذاتيته سيجعله غير مطيع، لقوانين المجتمع والأوامر التي تفرض عليه من سلطات - يجب - أن يثق بها، وبالتالي يصبح غير محقق لمعادلة الإنتاج والاستهلاك، بمعنى أنه لا يأبه بالتحقيق المادي إلا بقدر ما يخدم قيمه، ويصبح نفعه المجتمعي المادي قليلاً للحكومات، خاصة وأنه يعي جيداً أن هذا الإنتاج يذهب ريعه لشياطين الجن والإنس، ولا قيمة لأكثره، وهذا يؤدي إلى ضعف كيان المجتمع الوهمي الذي يخدم مساعي السيطرة اللاأخلاقية على العالم.

لأن ما يراه الواعي في العلوم الذاتية أهم بكثير بالنسبة له مما يراه في الحضارة الحديثة من آلات وتقانة، وحين يدرك سيرى أن الواقع يتغير بقوى أعلى من الواقع نفسه، وسيرى أيضاً أن الحياة الدنيوية لا قيمة حقيقة لها.

فمصطلحاته تختلف، مستويات إدراكه تختلف، ربما لا يمكنه أن يثبت الحقيقة للآخرين ولكنه لا يحتاج أصلاً إلى هذا المعيار، لأن إثباتها للآخرين هو نوع من مساعدتهم وليس من التحقق منها، فالتفاهم مع الناس وإرضاؤهم وهم في غيبوبتهم، يكون بالنسبة إليه أقل شأناً من العس إلى ربه وإلى الحقيقة الإلهية، بل لا قيمة لذلك المجتمع من دونها، فهو يعبد الله ويستشعر القيم والجمال في الأشياء والزمن … وليس لأحد من الناس أو غيرهم أن يكون بديلاً عن الروح التي توحده بالعالم الأكبر … 

يريد الحق الذي يراه، وليس الذي يُنقَل إليه ويُفرض عليه.

إرسال تعليق

0 تعليقات